بقلم علي عبد الأمير:

يتفق ناشطون وشباب مؤمنون بالتغيير في العراق على أن التحولات التي طالت مجتمعهم كثيرة، إلا أنها تحولات لم تأت بتغيير نابع من الحراك الثقافي والقيمي. فعلى الرغم من أهمية الدور الحيوي للشباب، إلا أن ثقتهم بالتغيير تواجهها شكوك بإيجابية المسار الذي تمضي إليه البلاد.

وفي إطار السجال الحيوي والمؤثر للناشطين والشباب المؤمنين بالتغيير، يرى الناشط والكاتب أحمد صحن أن الممارسة الديموقراطية لم تتحول إلى ثقافة وسلوك، فهي "شعارات حملتها الأحزاب الحاكمة، فيما نحن فشلنا في تأكيد سلوك ثقافي يقوم على التسامح واستيعاب الآخر واقتسام الرأي".

وفي حين تظهر الرغبة بالتغيير وتتعاظم كل يوم في العراق، كي يستطيع أبناؤه أن يجددوا حياتهم، لكن ذلك لا يتم إلا بشروط يرى، أحمد صحن، في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن أهمها "إعادة الثقة في نفوس الشباب بأن التغيير ممكن وإلزامي وحتمي. وذلك يتطلب العمل على إيجاد تيار إصلاحي حقيقي يتمكن من صناعة فضاء لحركة الشباب وتوظيف طاقاتهم، وهو ما لا نملكه بعد، حيث احتكار أدوات التغيير العملي من قبل القوى الدينية الطائفية والجامدة التفكير والمنهج، أدى إلى قمع طاقة الشباب وحدّ من حركتهم".

التغيير يصطدم بـ"السياسي المقدس"

التشديد الذي ينتهي إليه الناشط أحمد صحن، يشاركه فيه الأستاذ الجامعي الشاب د. علاء السيلاوي، الذي يؤكد أنه "لا يمكن نكران عدم وجود الرغبة بالتغيير، إلا أن هذه الرغبة لا ترتقي إلى مستوى الثقة. والسبب في ذلك يكمن في الصعوبات التي تعتري عملية ولادة الثقة، حيث أن أهم أداة محورية للتغيير ما زالت غائبة عن الساحة والتي تتمثل في الطاقات الشبابية التي تخضع لعمليات متعمدة من التجهيل ولا أتردد بالقول إلى عمليات (التنعيج)، فما زال ذهن الشاب العراقي يتدحرج بين مطرقة السياسي و بعض خطباء الدين. وهؤلاء الذين يتنافسون على احتكار هذا النوع من الصناعة، ذهبوا إلى أكثر من ذلك، بخلق حالة من الائتلاف بينهم ليبرز مفهوم (السياسي المقدس)، هذا المركب الذي يخاطب أذهان الشباب يحمل جسداً سياسياً وثوب رجل دين!".

وبحسب الأكاديمي السيلاوي في مداخلته مع موقع (إرفع صوتك) فلقد تم تجريد الشاب العراقي من فضيلة فاعلة تمثل محور عملية التغيير، وعمادها السؤال والنقد، فـ"كثير منا لا يملك الجرأة حتى لينتقد رجل السياسة أو يتساءل أو يتأمل، لأنه سيواجه رداً عنيفاً من قبل أكثر من محور، لذلك كيف لنا أن نثق بأن التغيير قادم بغياب الشباب الحامل لراية التغيير، وكيف لنا أن نتخيل مفسداً بموقع المصلح، كيف يمكن أن ننتظر ممن زرع فينا اليأس أن يزرع أملاً، كيف يمكن أن ننتظر من يجتّر التأريخ أن يبني مستقبلاً مغايراً لحاضرنا؟".

الخريف والدين السياسي هما السبب!

وينظر الصحافي والكاتب حسام محمد علي إلى ما عاشته بلاده طوال الصيف الماضي من "حراك شبابي شعبي هادر كان قادراً بحق على إحداث التغيير المنشود"، بدأ من ساحة التحرير ببغداد ليمتد إلى محافظات وسط العراق وجنوبه، يطالب الحكومة بالتحرك نحو إصلاح أوضاع البلاد عبر تغيير حقيقي، لكنه "سرعان ما سقط ضحية المماطلة والتسويف الحكومي والسياسي محكوماً برفض القوى السياسية التنازل عن مكاسبها، وأسهم  دخولُ أطراف الإسلام السياسي على خط التظاهرات بجعلها تفقد زخمها لتبعد المستقلين عن المشاركة، فضلاً عن عدم تمتع الشباب العراقي في غالبيته بروح الإصرار على الموقف ونتيجة الزوال التدريجي لأزمة الكهرباء (شرارة التحرك الغاضب) مع دخول الخريف وتراجع درجات الحرارة".

ويعتقد محمد علي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "حراك السيد مقتدى الصدر عبر تظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف من أتباعه الذين بقوا رهن إشارته، يحركهم هو متى ما وجد مصلحة في مزيد من الضغط لتحقيق مطالبه، لم يكن يحمل أبعاداً ديموقراطية حقيقية. فالمحتجون كانوا يصلون في لحظة النقاش مع من يشكك بنوايا الصدر الإصلاحية إلى تهديد مباشر لحياته، فضلاً عن التعرض له أخلاقياً وفكرياً".

وضمن هذه الرؤية الناقدة لما انتهى إليه الحراك الشعبي، يرى محمد علي "تتغير الحال بتكرار ثورة الشعب صيف عام 2015 بأخرى لا تقل عزماً وقوة تقاد من شباب ديموقراطي مخلص وليس من انتهازيي الفرص، وتملك إصراراً على تحقيق الهدف الأساس الذي يقره غالبية العراقيين، وهو انهاء المحاصصة السياسية الطائفية التي تتسبب بكل الويلات".

*الصورة: جانب من تظاهرات العراقيين المطالبة بتحقيق الإصلاح في مؤسسات البلاد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".