الأردن – بقلم صالح قشطة:

لا يزال المشهد السوري متصدراً لنشرات الأخبار العربية والعالمية. والمتابع لهذه النشرات يسمع تارةً عن حلٍ يلوح في الأفق، وتارةً يتابع تقارير لا تنم سوى عن احتدام الوضع السوري بشكلٍ لا يبشر بأي حل في المستقبل القريب.

هنا في العاصمة الأردنية عمّان، في موقع جغرافي ليس بالبعيد عن العاصمة السورية دمشق، يلتقي موقع (إرفع صوتك) بعدد من النازحين من سورية جراء الحرب، حيث يقطن آلاف اللاجئين السوريين، مترقبين لخبر يتحدث عن انفراج في أوضاع بلادهم، ومتأملين عودتهم، رغم أنهم لا يرونها قريبة جداً.

أمل العودة

عند نزول بضع درجاتٍ من أحد أزقة جبل عمّان، الأشبه بزقاق دمشقي يفوح بعبق ياسمينها، يمكث الصحافي حزم مازوني، النازح من مدينة حماة، في سكنه المؤقت، والذي يتقاسمه مع الكاتب والشاعر أحمد قطليش القادم من دمشق، حيث يتشارك كلاهما الأمل يومياً بعودةٍ تنهي مرارة اللجوء.

لا يعتقد حزم بوجود حل سياسي ولا حتى عسكري في السنوات القادمة، ورغم ذلك يبقى آملاً بحل سلمي يضمن لبلاده الانتقال إلى مرحلة أفضل بأقل الخسائر الممكنة.

ويقول الصحافي السوري لموقع (إرفع صوتك) "أنا متحيز للحل السلمي بشكل قطعي، والحل العسكري لن يعطي النتائج المطلوبة لا حالياً ولا مستقبلاً، فهو لن يجلب سوى دمار أكثر وقتل أكثر ومشاكل أكبر"، متابعاً "لا بد من حل سلمي في النهاية على أساس جميع الآراء المشتركة بين الطرفين، فبالنهاية نحن أبناء بلد واحدة وسنعيش فيها سوياً".

"كانت ثورة، وأصبحت حرباً"

أما أحمد قطليش، فلا يزال لديه أمل بالوصول لذات الحل السلمي، رغم إدراكه لصعوبته على أرض الواقع السوري. وعلى حد تعبيره فإن الوضع معقد بطريقة تجعل التفكير في أي حل صعباً، واصفاً ما يجري في سورية "كانت ثورة، وأصبحت حرباً. والآن نريد الحل وليس الثورة".

ورغم أمله بتغيير شامل للوضع السوري الراهن، يطرح قطليش تساؤلات حول ثمن هذا التغيير، والذي يراه ثمناً قاسياً جداً. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "الأمل بالتغيير دائماً موجود، لكن ثمن التغيير مرتفع. وما يحصل من تهجير وقتل ودمار هو الثمن، وهذا بالتأكيد مؤشر لمرحلة جديدة".

ويرى الكاتب السوري أنّ الشعب بات اليوم أكثر وعياً وأكثر تقديراً لقيمة الحياة. "ومن كان بينهم خلافات طائفية مثلاً أدركوا أن القضية أكبر من أن تكون دينية أو مذهبية، لكن هل هذا مقابلٌ كافٍ للثمن الذي دفعه الشعب السوري؟".

الحل في التكاتف؟

وبالنسبة لابن دمشق عمار حامد، الذي يعمل في متجر للهواتف المتنقلة في عمّان، فإن تعليق الآمال على الحل السياسي غير مجدٍ. وعلى حد تعبيره فإن القضية وحلها أكبر من الحل السياسي المطروح، ومسؤوليتها تقع على دول المنطقة العربية أيضاً.

ويقول عمار لموقع (إرفع صوتك) "ثقتنا ضئيلة بالحل السياسي المطروح، ونحن لا نرى تكاتفنا حيال الوضع الذي نراه"، مضيفاً "نحن بحاجة إلى تكاتف، فقد خسرنا فلسطين والعراق، وها نحن نخسر اليمن وبلدنا سورية".

دور الفرد السوري

وبعيداً عن أروقة صنع القرار، يؤمن عمار بدور الفرد السوري في جعل مهمته في عبور الأزمة الراهنة أكثر سلاسة. "دورنا يتمركز في وعي الفرد وتوعية الأسرة، وهذا يكبر ليوعي المجتمع كاملاً، وأعتقد أنه علينا اتباع سنة ديننا، ويجب أن يكون هناك توعية بالدين الحقيقي المختلف عما يقدمه التكفيريون، فالوعي الديني هو الأهم".

وبالنسبة له فإن جميع ما تمر به المنطقة من صعوبات وأزمات لا يزيده سوى صبر ولا يعطيه إلّا أملاً بمستقبلٍ أفضل "الأمل موجود، وها هم إخواننا في فلسطين إلى يومنا هذا لم يقطعوا الأمل. ونحن على هذا الحال منذ خمس سنوات، وبالتأكيد لن نقطع الأمل".

"كعكة يتسابق الجميع على نهشها"

ومن موقعه في المطعم الذي يعمل به في عمّان، يتحدث أنس عدنان إلى موقع (إرفع صوتك) بكل وضوح قائلاً "لا يوجد لدي ثقة بالحل السياسي أبداً، ولا بالمعارضة التي تأخذ أوامرها من الخارج".

ويرى الشاب السوري أن البديل هو انتخابات بإشراف الأمم المتحدة كي لا يتهم أي طرف بتزويرها "ومن يفز بها فليقد البلاد نحو الأفضل.. ولا أرى حلاً آخر!".

وليس ببعيد عن أجواء المطعم الذي يعمل به، شبه أنس بلاده سورية بالكعكة التي يتسابق الجميع على "نهشها"، وهو ما لم يتخيل يوماً حدوثه.

* الصورة: أنس عدنان أثناء عمله/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.