بقلم رفقة رعد خليل:

إن كان للإرهاب فلسفة، فهذا يستدعي أن نعتمد على فلسفة نحاربه بها. لأن النسق الإرهابي العام متكامل الأجزاء من النظرية إلى التطبيق وقائم على مفاهيم خاصة وشروط وأسس يعتمد عليها في تثبيت وجوده، وقد كوّنت له ماهية وصورة واضحة المعالم.

وإن كانت هذه الفلسفة لا تعتمد على قاعدة أصيلة لينطلق منها الإرهاب، فهذا لا يمنع من اعترافنا بقدرتها وإمكانياتها على تحقيق كل ما وصل إليه الإرهاب اليوم. وإنّ اعترافنا بهذا النسق كبداية سيمكننا من فهم الإرهاب بشكل أكبر، وبالتالي محاربته بطريقة ناجحة، وباستراتيجية تضرب كل مفاصله وجزئياته التي تجعلنا نقضي عليه، لا تحجيمه فحسب.

فهل استطاعت أميركا اليوم فهم الإرهاب بهذه الطريقة؟ وهل لها فلسفة في محاربته؟ أم هي اعتمدت على الحل العسكري لسرعة ما يقدمه من نتائج، على الرغم من أن الحرب السريعة هي تكتيك سريع، أو بالمعنى الأصح احتواء للأزمة دون معالجتها، وسط تحشيد عسكري كبير بالمعدات والقوات!

كيف إذن سنحارب النظرية والممارسة مع بعض في ذات الوقت. علينا قبل البحث عن إجابة لهذا السؤال فهم ما هو دور الحرب في السياسة. فقديماً قالوا إن الحرب هي السياسة بوسائل أخرى، أي لها دورها في حل الأزمات شرط أن تستخدم بطريقة سياسية وتوقيت خاص، بحيث لا نستغني عن السياسة قبل الحرب وبعدها. هنا يأتي السؤال: هل سعت أميركا سياسياً لحل أزمة داعش قبل أن تعتمد الحل العسكري؟ وما هي سياسة ما بعد الحرب لديها؟

اليوم إعلان الحرب على الإرهاب لا يمكن أن نقول أنه قد تم في وقت مناسب، لأنه لا يتناسب مع الأزمة ذاتها. لأن جميع الأطراف لم تقدم أي سياسة واضحة المعالم. فقد تم عقد المؤتمرات والندوات وتحركات سياسية خارجية، لكن لم يتحرك أحد فعلياً بشكل سياسي لحل الموضوع. فجاءت الحرب التي لم تكن آخر العلاج، بل جاءت في المقدمة. وهذا لن يقتل الإرهاب، ولكن لربما سيساهم في تغييبه عن الشاشة العالمية فحسب.

إن الحرب على الإرهاب اليوم تقاوم الممارسة الإرهابية لا النظرية. فنحن نقاتل جزئية واحدة من الإرهاب وأهملنا باقي الجزئيات لأننا لم نمتلك فلسفة متكاملة لهذه الحرب، التي ستكون نتائجها صورية لا تمس الباطن في شيء. بالتالي فإن القضاء على داعش يحتاج إلى حل الأزمات السياسية داخل البلدان الحاضنة للإرهاب قبل كل شيء. وحل الأزمات السياسية الخارجية مع هذه البلدان وما يجاورها. وحل الأزمات الفكرية التي هيّأت للتكفير والتطرّف بالظهور. ثم نحارب داعش عسكرياً، ثم نعتمد سياسة ما بعد الحرب في الحفاظ على الإنجازات السابقة. وكل هذا يحتاج إلى زمن ونسق خاص إذا ما أردنا إنقاذ العالم فعلاً، لا أن نقضي على جبهة لنفتح جبهة أخرى.

عن الكاتبة: رفقة رعد خليل، كاتبة عراقية وباحثة في فلسفة الحرب، وحاصلة على شهادة الماجستير في الفلسفة. تكتب لعدد من الصحف العراقية وموقع "الحوار المتمدن".

لمتابعة الكاتبة على فيسبوك إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".