بقلم حسن عبّاس:
"لديّ اقتناع بأن البديهيات في حياة المرأة السعودية ما زالت غير متوافرة. الأسباب كثيرة ومنها الموروثات الاجتماعية والتقاليد والأعراف". هذا بعض ما كتبه الكاتب عبد الله العلمي في كتابه "متى تقود السعودية السيارة؟".
قد يستغرب البعض هكذا عنوان لكتاب صادر عام 2012، إلا أن طرح القضية التي يتناولها وقضايا المرأة السعودية الكثيرة لا يزال يحتاج إلى شجاعة كبيرة.
وترى نجلاء العَمري، 26 عاماً، أن "أشكال الوصاية الذكورية على النساء في المجتمع السعودي أصبحت تأخذ شكلاً من أشكال العبودية".
وأضافت الشابة السعودية الحائزة على ماجستير في هندسة البرمجيات والمقيمة في لندن وتزور بلدها بين الحين والآخر لموقع (إرفع صوتك) أن "أصعب شيء أن أعيش في مجتمع يضع تنظيمات خاصة للمرأة ليتسلط عليها الذكر".
أما "غلوريا"، طالبة هندسة معمارية مقيمة حالياً في لندن، فقالت "أكثر شيء أكرهه هو العادات الاجتماعية التي تستنقص مني لمجرد أني فتاة".
لا تعاني "غلوريا" مثلما تعاني بقية الشابات السعوديات، فأسرتها "متفهمة نوعاً ما"، بحسب وصفها. ولكنها شكت لموقع (إرفع صوتك) من أن "المجتمع ما فتئ يغيّر من أفكار عائلتي ويحوّلها لتكون متزمّتة مثل الغالبية".
أمل استمر أياماً
في حوار أجرته معه وكالة بلومبيرغ، قال ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إنه يؤمن أن "هنالك حقوقاً للنساء في الإسلام لم يحصلن عليها بعد".
أثار الخبر موجة من التفاؤل خاصةً أنه أتى قبل أيام من موعد الإعلان عن "رؤية السعودية 2030". ولكن في اليوم المنتظر، قال ابن سلمان "إلى اليوم، المجتمع غير مقتنع بقيادة المرأة ويَعتقد أن لذلك تبعات سلبية جداً. الأمر يعود بالكامل لرغبة المجتمع السعودي. لا نستطيع أن نفرض عليه شيئاً لا يريده".
لا يوجد قانون مكتوب يحظر على النساء قيادة السيارة في المملكة، ولكن النساء ممنوعات من استصدار رخصة قيادة، وبالتالي لا يحق لهنّ القيادة.
قيادة السيّارة مجرّد رمز
عام 2011، عام الربيع العربي، أطلقت سعوديات حملة دعت النساء إلى كسر الحظر على قيادتهنّ السيارات. واستجابت بعض النساء وأُوقفن ولم يطلق سراحهنّ إلا بعد تعهّد أولي أمرهنّ بعدم تكرار ما حصل.
كثيرة هي الحملات التي تنظّم كل فترة لاختراق هذا الحظر، بل أن بعض السعوديات قدنَ سياراتهن ونشرنَ مقاطع فيديو عن ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتقبّل شريحة من الرجال السعوديين هذا الأمر، لا بل تطالب به أيضاً.
https://twitter.com/abdal/status/724912577864716291وفي المقابل، تطالب الأصوات المحافظة، وعلى رأسها المؤسسة الدينية الرسمية، بالإبقاء على حرمان المرأة من هذا الحق. وكانت 500 امرأة سعودية، بينهنّ أكاديميات وطبيبات، قد رفعن خطاباً إلى الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وكان حينها لا يزال ولياً للعهد، قبل أيام من وفاة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، طالبن فيه بعدم السماح للنساء بقيادة السيّارة واعتبرن أن ذلك يندرج ضمن إطار "امتهان مكانة المرأة بصور شتى لتكون سلعة جسدية".
وتظهر أصوات تبسّط من مطلب قيادة السيارة على أساس أن هنالك قضايا أكثر أولوية. وعن هذا، قالت "نيّرة"، شابة سعودية تصف حسابها على تويتر بأنه "وقف لقضية المرأة السعودية" أن "المرأة السعودية تعاني من كوارث اجتماعية هائلة، ولكن التركيز على قيادة السيارة هو بسبب أنه الشيء الوحيد الذي تتفرد به المرأة السعودية دون غيرها من نساء العالم".
وأضافت لموقع (إرفع صوتك) أن "مَن يقول أنه مطلب منفصل عن الواقع لا أظنّه جرّب أن يكون متذللاً لأحد طوال الوقت لأجل قضاء أبسط حاجاته".
وصاية ولي الأمر... بيت القصيد
مطلب قيادة المرأة للسيّارة في السعودية هو مطلب رمزي، إضافة إلى ما فيه من مباشرة. فهو يعبّر عن جُملة ما تواجهه المرأة السعودية.
في السنوات الأخيرة، نالت المرأة السعودية حقوقاً كانت ممنوعة عنها. فقد سُمح لها بالترشح والانتخاب في الانتخابات البلدية التي جرت عام 2015. وقبلها بعامين، خُصّصت لها نسبة 20 في المئة من مقاعد مجلس الشورى. وكان الملك عبد الله قد أصدر قراراً مهّد لهذين التطورين عام 2011. ولكن يبقى الكثير.
قبل فترة، طلّقت محكمة سعودية امرأة من زوجها رغم تمسّكها به، وذلك لأن أعمامها أرادوا ذلك في دعوى تحت مسمى "عدم تكافؤ النسب". فأثار القرار حملة تطالب بإلغاء نظام ولاية الأمر عن المرأة.
تطالب السعوديات بتقييد نظام الولاية المطلقة للرجل على المرأة، ويعتبرن أن هذا النظام يعاملهنّ كقاصرات، إذ لا يمكنهنّ استصدار وثائق هوية أو جوازات سفر أو فتح حساب مصرفي أو السفر للخارج أو الزواج أو الالتحاق ببعض التخصصات الجامعية أو العمل بدون موافقة ولي الأمر الذكر، زوجاً كان أو أباً أو أخاً أو حتى ابناً.
وقالت نجلاء العَمري "لا تقف الوصاية عند هذا الحد بل أصبح كل ما تفعله المرأة، طفلة كانت أم كبيرة، محل نقاش وفتاوى وتحريم".
وبرأيها، "تحتاج أنظمتنا إلى مراجعة الكثير وإيجاد الحلول السريعة للكثير من المآسي التي نعيشها يومياً، ليس بالاستثناء والمكرمات المؤقتة، وإنما بتغيير القوانين".
الصورة: نساء سعوديات/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659