بقلم إلسي مِلكونيان:

تجدد الحديث عن دور منظمات المجتمع المدني في تونس ومدى تأثيرها على المؤسسات الحكومية والرأي العام المحلي خلال الأشهر الماضية.

يعود هذا إلى أمرين: الأول هو الحملة التي أطلقتها 46 منظمة حقوقية دعت فيه إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان أثناء مكافحة السلطات للإرهاب وفقاً لـ تقرير "هيومن رايتس ووتش" الصادر في 28 نيسان/أبريل.

أما الثاني فيعود إلى حصول أربعة منظمات حقوقية (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية لحقوق الإنسان ونقابة المحامين التونسية) على جائزة نوبل للسلام في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

وقد لاقى الحدث الأخير استحساناً كبيراً من المواطنين التونسيين الذين عبروا عن فرحهم وفخرهم بهذا الإنجاز من خلال هاشتاغ: #تونس_تفوز_ بنوبل_ للسلام.

لكن هل يعني هذا أن منظمات المجتمع المدني أصبحت قادرة فعلاً على تغيير الواقع التونسي إلى الأفضل أم أنها ما زالت تواجه تحديات تضعف من قدرتها على التغيير والتأثير؟

من قصص النجاح: القدرة على التغيير

يوجد حالياً في تونس الكثير من المنظمات غير الحكومية والتي تعنى بقضايا حقوقية مختلفة، منها محلية كمنظمة "بَوصلة" التي تراقب عمل البرلمانيين ومجلس النواب وعملية التصويت و منظمة "أنا يقظ" التي يعتمد برنامجها على محاربة الفساد. إلى جانب ذلك، يوجد أيضاً منظمات دولية كـ"البحث عن أرضية مشتركة" ومركزها الولايات المتحدة الأميركية.

بدأت منظمة "البحث عن أرضية مشتركة" نشاطها في تونس بعد الثورة. وتهدف إلى تمكين الشباب ليقودوا العملية الديموقراطية وتعزيز الحوار بين المنظمات النسوية الدينية والعلمانية والتعريف بمبادئ الحوكمة.

يعلق وسام ميساوي، مدير برامج في فرع المنظمة في تونس، في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) "نقوم بتدريب عدد من الشبان والشابات عبر شراكات مع منظمات محلية ونعمل في جميع الولايات التونسية. وقد وصل عدد المتدربين إلى نحو 500 شخص. كما أننا نقدم منحاً صغيرة لنساعد هؤلاء الشبان على تدريب غيرهم فنساهم بذلك في تدريب أكبر قسم ممكن على مبادئ الديموقراطية وسبل المشاركة في الحياة المدنية".

وتهتم المنظمة أيضاً بتشجيع الشباب على تحسين المجتمعات المحلية. ومثال على ذلك مشروع تنظيف القمامة المتجمعة على أطراف الشاطئ في مدينة المهدية والطريق المؤدي لها. وقد تم تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع "مجلس الرواد الشباب" في المهدية وأكثر من 100 شخص من السكان المحليين، منهم محافظ المدينة وموظفين في المؤسسات البلدية.

قال هشام نوس، أحد المشاركين في تنظيف شاطئ المهدية "تنتظر الناس من الحكومة حل مشاكلهم. لكن يجب أن يدركوا أن المجتمع المحلي يستطيع حلها أيضاً".

 تحديات كبيرة

تشير دراسة حول منظمات المجتمع المدني في تونس إلى أن عدد هذه المنظمات بين عامي 2011-2012 زاد بنسبة 30 في المئة، حيث بلغ عددها الإجمالي آنذاك 14,966. بينما وصل المجموع العام للمنظمات حتى 29 آذار/مارس 2015 إلى 18,558 منظمة، حسب مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات.

 يرى محمد جويلي، رئيس المرصد الوطني للشباب أن زيادة العدد أمر جيد، لكن لا يمكن مشابهة المجتمع المدني في المجتمعات العربية بالنموذج الغربي القادرعلى تغيير الواقع إلى الأفضل.

ويعلل السبب في ذلك إلى وجود عدد من المعيقات، قائلاً لموقع (إرفع صوتك) إن "النقص في كفاءة وقدرات الأشخاص القائمين على إدارة الجمعيات ونقص التمويل يحد من قدرة هذه المنظمات على إجراء التغيير الفاعل في تونس. إضافة إلى ذلك، يوجد ضعف في مشاركة الشباب في العمل الجمعياتي ويعود هذا إلى ثقافة المجتمع، والعائلة التونسية بشكل خاص، حول فائدة انخراط أبنائها وخاصة بناتها في أنشطة المنظمات (العمل التطوعي)، فتراهم يفضلون لهن الوظيفة أو البقاء في المنزل".

وللتغلب على هذه المعيقات وتمكين منظمات المجتمع المدني على التغيير والتأثير، يشدد جويلي على ضرورة خلق محفزات مالية من قبل الحكومة لتضمن استمرارية هذه المنظمات من جهة وتشجع الشباب على الانضمام إليها من جهة أخرى. "اقترحت على الحكومة التونسية، ضمن مداخلة، بناء وكالة وطنية للتطوع ينخرط فيها الشباب ويتم تحفيزهم مادياً، وأن يحصد كل مشترك في عمل تطوعي على مجموعة نقاط تساعده على الانخراط في عمل حكومي في المستقبل".

ويضيف جويلي أنه من الضروري أن تهتم الدولة بتطوير العمل المدني لأنه يمكّن الشباب من تقديم شيء مفيد لهم ولمجتمعهم بدل أن يصرفوا طاقاتهم في الاحتجاج والاعتراض في الشوارع.

*الصورة: من مشروع تنظيف الشاطئ في المهدية/تنشر بإذن خاص من"البحث عن أرضية مشتركة"

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.