بقلم خالد الغالي:

 حينما وقف الثائر الفرنسى، جورج دانتون، أمام مقصلة الإعدام، سنة 1794، أطلق صرخته الشهيرة "الثورة تأكل أبناءها". كان دانتون يقصد الثورة الفرنسية التي كان أحد أكبر صانعيها، قبل أن ينقلب عليه رفاقه ويسوقوه إلى منصة الإعدام.

ما فعلته الثورة الفرنسية بدانتون يفعله الربيع العربي بعدد من "رموزه" من الشباب، كما قال عدد منهم لموقع (إرفع صوتك). بعضهم يقبع في السجن، وبعضهم هاجر إلى الخارج. فيما عاد الذين في بلدانهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي انطلقوا منها أول مرة.

من الميدان إلى الزنزانة

انتهى الربيع العربي بعدد من رموزه في السجن. أحمد ماهر، المؤسس الرئيسي لحركة شباب 6 أبريل في مصر، يقضي حالياً عقوبة ثلاث سنوات في السجن بتهمة خرق قانون التظاهر. وإلى جانبه بالتهمة والعقوبة نفسها ناشطان آخران معروفان: محمد عادل وأحمد دومة. هذا الأخير يقضى عقوبة ثانية بالسجن المؤبد.

بعد صدور الحكم على أحمد ماهر وزمليه، كتب المدون علاء عبد الفتاح، أحد أشهر نشطاء الثورة المصرية، يطالب بإسقاط قانون التظاهر.

https://www.facebook.com/alaaosh/posts/10153985313840291?fref=nf

لم يسقط القانون، الذي سنه الرئيس المؤقت عدلي منصور، وإنما حوكم علاء بالتهمة نفسها: خرق قانون التظاهر، وحكم عليه بخمسة أعوام سجناً.

في المغرب، واجه أسامة الخليفي، أول من ظهر على "اليوتيوب" مطالبا  المغاربة بالنزول إلى الشارع للتظاهر، المصير نفسه.

سجن أسامة، وهو أحد رموز حركة "20 فبراير"، مرتين بتهم جنائية، من بينها ممارسة الجنس مع قاصر والاعتداء على شرطي، إلا أنه يصر على أن التهم ملفقة، بهدف الانتقام منه.

يكتب أحمد ماهر من سجنه مقالات دورية في عدد من الصحف والمواقع الإخبارية. كتب ساخرا في آخر مقال له "أما الشباب، ومن يطلق عليهم رموز 25 يناير.. فطالما لا توجد أزمة حقيقية في وجودهم في السجون، فدعهم في السجون، فلا نريد أي احتمال لأن يقوم أحد بتجميع صفوفه، قبل لحظة الانفجار التي قد تحدث".

على عكس أحمد ماهر، نادرا ما يكتب علاء عبد الفتاح.

"علاء مسجون مع سجناء الحق العام. هو في شبه عزلة، لا يسمح له بلقاء نشطاء، مع وجود تضييق شديد عليه فيما يتعلق بالتزود بالكتب والأوراق"، تقول لـ(إرفع صوتك) والدته ليلى سويف، الناشطة اليسارية المعروفة.

"أزوره ثلاث مرات في الشهر، لمدة ساعة. في كل زيارة، يبلغنا بآرائه وأخباره ونحن نقوم بنشرها"، تضيف ليلى.

طيور مهاجرة

يمثل وائل غنيم أحد أبرز وجوه الثورة المصرية. ويُقدم أحيانا على أنه مطلق شرارة الانتفاضة، من خلال صفحة "كلنا خالد سعيد" التي أسسها على فيسبوك، ومنها خرجت الدعوة إلى التظاهر يوم 25 كانون الثاني/يناير عام 2011.

بعد صعود السيسي إلى الحكم، غادر وائل إلى الولايات المتحدة وأسس منصة إلكترونية أطلق عليها "بارليو" (استحوذت عليها شركة كورا في آذار/مارس 2016).

ظل مدير التسويق السابق لشركة غوغل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعيدا عن الأضواء، ونادرا ما يدلي بتصريحات.

كتب، قبل أيام، تدوينة على تويتر، وكأنه يلخص بها واقع بلاده.

https://twitter.com/Ghonim/status/724181617430827010

وعلى نفس النهج، سار الناشط المغربي سعيد بنجبلي. فبعد أن كان أحد وجوه "حركة 20 فبراير"، ومؤسس صفحتها الرئيسية على فيسبوك، غادر سعيد إلى الولايات المتحدة.

"رغم أن فكرة الهجرة كانت حاضرة في ذهني، فلم أغادر إلى الولايات المتحدة عن تخطيط. بل فقط، شاركت في القرعة (قرعة الهجرة إلى الولايات المتحدة) ووقع علي الاختيار"، يقول المدون المغربي في تصريح لـ(إرفع صوتك).

يستقر سعيد حالياً في بوسطن، حيث حمل معه مشروعا لإطلاق عملة رقمية على غرار العملات الرقمية المتداولة، وأشهرها "بيتكوين".

أطلق سعيد على عملته "سانتكوين". ويقول أنها، على عكس العملات الرقمية الحالية، "سهلة الاستخدام وفعالة".

لم تخرج سانتكوين بعد إلى السوق. في انتظار ذلك، "أعمل لكسب رزقي، مرة سائقا، ومرة أشياء أخرى"، يوضح الناشط المغربي.

مغربي آخر قرر الهجرة: معاذ بلغوات مغني الراب المعروف بإسمه الفني "الحاقد"، في إشارة إلى "حقده" على الأوضاع المتردية.

يُقدم "الحاقد" على أنه مغني حركة "20 فبراير". قضى فترتين في السجن، سنتي 2012 و2014، بتهم تتعلق بإهانة الشرطة.

منحته منظمة الشفافية الدولية جائزة النزاهة لسنة 2012، كما فاز  بجائزة "مؤشر الرقابة على حرية التعبير”، فئة الفنون، في لندن في آذار/مارس 2015.

أعلن معاذ، في كانون الثاني/يناير 2016، أنه تقدم بطلب اللجوء السياسي إلى بلجيكا التي جاءها لإحياء سهرة غنائية، بعدما "أبلغته أسرته أن الشرطة تبحث عنه".

العودة إلى الأصل

بعد الربيع العربي، عاد بعض النشطاء إلى المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، نقطة انطلاقتهم. من بين هؤلاء المدون المصري المعروف وائل عباس والناشطة أسماء محفوظ.

اختار هؤلاء العالم الافتراضي بعدما "صارت حتى الدعوة إلى التظاهر جريمة تؤدي بصاحبها إلى السجن"، يقول وائل عباس لـ(إرفع صوتك).

ويتابع المدون "من تحدث أو خرج إلى الميادين للتظاهر، انتهى به الأمر في السجن. الأمثلة كثيرة: أحمد ماهر، محمد عادل، علاء عبد الفتاح...إلخ، بل هناك نشطاء قضوا نحبهم".

لا يعول وائل على الشارع كثيرا:

https://twitter.com/waelabbas/status/722519110886780928

يكتب وائل عباس على فيسبوك وتويتر، حيث يتابعه الآلاف، كما ينشر مقالات بشكل شبه دوري، وأحيانا يشارك في محاضرات خارج مصر. "أحاول الاستفادة من أي هامش حرية ممكن، في ظل الوضع الحالي" يعلق صاحب مدونة الوعي المصري.

  • * الصورة: يقضي الناشط السياسي المصري علاء عبد الفتاح خمس سنوات في السجن بتهمة خرق قانون التظاهر/وكالة الصحافة الفرنسية
  • يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".