بقلم علي عبد الأمير:
يجدد أكثر من ناشط مدني عراقي ثقة الشباب بإمكانية التغيير وأهمية التعبير السلمي عن ذلك. لكن هناك من يثير أسئلة عن رسالة ذلك الاحتجاج، وعمّا إذا كان العالم المهتم باستقرار العراق وموقعه في الحرب على الإرهاب، قد فهم تلك الرسالة ومغزاها؟
ويتساءل الأستاذ الجامعي الشاب والناشط المدني عارف عبد الحسين الفتلاوي "هل ما زال العالم الغربي يعتقد أن أتباع التيارات الإسلامية هم غالبية العراقيين، حين برر دعمه لسلطة رجال الدين وحكم الأحزاب الإسلامية بعد العام 2003؟"، مستدركاً في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) "هذا التصور خاطئ، فاليوم باتت شريحة الشباب المدني في العراق، وبعد 13 عاماً سيئة من حكم الأحزاب الإسلامية، تشكل غالبية الجزء الفاعل في المجتمع".
وحول دقة ما يذهب إليه من ترجيح لكفة التيار المدني، يوضح الفتلاوي "من يريد أن يتأكد من صحة هذه المعلومة، فما عليه سوى إجراء استطلاع على أهم شريحة في العراق، وهم طلبة الجامعات، وحول رأيهم بالأحزاب الحاكمة، وسيجد الجواب من قبل الغالبية العظمى، بنعم لحكومة مدنية ومع حظر الأحزاب الإسلامية الحاكمة".
ويستمر في فكرته هذه قائلاً "المشكلة أن التيار الإسلامي هو المسيطر على الدولة وعلى المؤسسات الحكومية وعلى الشارع، بواسطة التوظيف والمال والسلاح، على عكس أتباع التيار المدني الذين يفتقرون إلى كل شيء، من القيادة إلى قوة العزيمة والإيمان بقضيتهم التي تستحق التضحية. لذلك فمن ينظر اليوم إلى المشهد من خارج العراق سيتوهم بأن الإسلاميين هم الغالبية".
ما الطريق إلى تغيير حقيقي؟
ويرى الفتلاوي حلاً لأوضاع بلاده عبر "تشكيل جبهة مدنية حقيقية تتألف من مجموعة من الباحثين العراقيين في المجال السياسي والاجتماعي والإعلامي وممثلي بقية الكفاءات المقيمة خارج البلاد، تأخذ على عاتقها طلب مساعدة منظمة الأمم المتحدة ودول العالم وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية المسؤولة أخلاقيا وقانونياً عن راهن العراق ومستقبله، من أجل تدويل قضيته وتأمين حكم انتقالي لفترة تنتهي بانتخابات خاضعة للإشراف الدولي المباشر وبعيداً عن أشكال الإبتزاز والنفوذ الذي تمارسه أحزاب وقواها المؤثرة".
لكن هذا يبدو متعارضا مع ما يذهب إليه المهندس الشاب كرار عجام، فهو يؤكد أن "الوعي الجماهيري حجر أساس كل تغيير"، موضحاً في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "تأريخ العراق المـُعاصر حمل حكومات مُتعاقبة استثمرت غياب الوعي الشعبي الحقيقي في اختيار ممثلين أكفاء عنهُ"، وصولاً إلى حكومات الأحزاب الإسلامية التي لا تزال تدّس السم في العسل، برفع شعار الثارات الدينية والمذهبيّة. والغريب أن المواطن نفسه لا يزال في كل مرّة يبصم لها بإصبعه البنفسجي ويقع في الخطأ مرّةً تلو الأخرى، فالحاكمون أبدعوا في مكرهم السياسي باستنزاف عقلية المواطن واستغلال عاطفته الدينية".
من المواطن وإليه
ويشكك عجام، بمشهد "الجماهير الغاضبة وهي تدك أسوار المنطقة الخضراء وتقرع الطبول في ساحة التحرير" موضحاً أن "من يشاهد تلك الجموع وهي تنتفض ضد سياسيي الخضراء كل يوم جمعة ولأشهر مضت، سيجد أنّها خرجت إرضاء لغاية في نفس زعمائها من رجالات الدين وليس ثورة إصلاح حقّة نابعة من الوعي بأزمة أمنية واقتصادية وإنسانية".
ويخلص المهندس الشاب إلى القول "لا ديموقراطية حقيقية إلاّ بإعلان ثورة شعبية وطنية سلمية على النظام الديني السياسي الحاكم، وأن ينبثق أشخاص وطنيون من صُلب الشعب، وخارج أي لافتة حزبية ودينية وقومية، يتولون تثقيف المواطن كي يدرك بوجوده، وأهميته كقيمة عليا في البلاد وتقرير مصيره. فالإصلاح يبدأ من عقل المواطن نفسه، المسلوبة حقوقه وإرادته".
المستقبل للتفاهم لا المغالبة؟
من جهته يرى الكاتب والصحافي في "مركز الجنوب للدراسات والتخطيط الاستراتيجي"، حيدر قاسم، أن "الاحتجاجات السلمية في العراق، جاءت نتيجة لانهيار المشروع السياسي الجديد بعد الإطاحة بالديكتاتورية، وفشل مشاريع الإعمار، ونكوص القوى السياسية المشاركة في السلطة عن الاستمرار بتعزيز المسارات الديموقراطية، بل وانقلابها الواضح على مبادئ حرية التعبير والشفافية والتبادل السلمي للسلطة".
وفيما يعتقد الكاتب قاسم أن التغيير في العراق قادم لا محالة، يستدرك بالقول "سيواجه مخاضاً عسيراً، سيتنهي بعزل قوى طائفية – عرقية، من المشهد، والتوصل لصيغة تفاهم – مصلحي –برغماتي، قائم على مبدأ التشارك، لا المغالبة التي تعتمد كصيغة الآن في العمل السياسي" .
*الصورة للناشط علي الجاف من صفحته على فيسبوك/تنشر بإذن خاص منه
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659