بقلم إلسي مِلكونيان:

"ها نحن ها... على دروب كنزنا... نسير معاً وآمالنا تسير قبلنا" أو "علّي علّي بطل فليد.. هيّا طر يا غريندايزر".

نادراً ما تجد طفلاً ممن تابع المسلسل الكارتوني "جزيرة الكنز" أو مسلسل "مغامرات الفضاء"، المعروف باسم غريندايزر، ولا يعرف أغاني شارة البداية أو النهاية فيهما، خاصة وأنهما حظيا بمتابعة معظم أطفال الدول العربية حين عرضهما، وبعده بسنوات. صاحب الصوت الجميل الذي أقنع الأطفال بترديدهما على مدى سنوات هو الفنان اللبناني سامي كلارك.

درس كلارك في المعهد العالي للموسيقى في بيروت وأكمل دراسة الغناء الأوبرالي في العاصمة النمساوية، فيينا. قدم  خلال مسيرته الفنية عدة برامج للأطفال على تلفزيون لبنان وغنّى ما يقارب الـ90 أغنية للطفل. هذا بالإضافة إلى رصيده الفني في الغناء للكبار ومحبة الجمهور الكبير الذي حصده.

في لقاء خاص مع موقع (إرفع صوتك)، يكشف كلارك السبب وراء محبة الأطفال للأغنيتين وتأثير ما يشاهدونه من برامج على سلوكهم وتوجهاتهم التي تميل نحو العنف في الوقت الحالي مقارنة بالسابق.

كيف أتيتم بفكرة الأغنية وما الرسالة التي تحملها؟

استلمت عرضاً من الشركة المنتجة لفيلم الكارتون "غريندايزر" وقالوا لي إن هذا الفيلم من صنع اليابان ويعرض للمرة الأولى في لبنان والوطن العربي وسألوني إن كنت أرغب بغناء المقدمة. قمت بمشاهدة بعض الحلقات منه لأكوّن فكرة عن موضوعه ولون الغناء المناسب لفحوى الفيلم. ووجدت أنّه يتطلب أسلوباً غنائياً فيه طابع العنفوان، إذ أن الفيلم يتحدث عن العدالة والمساواة والكرة الأرضية والبيئة وحماية الضعيف فأعجبت برسالة الأغنية. ولم أتوقع أن تحدث الأغنية ضجة كبيرة.

ما سبب محبة الجمهور لأغنيات الكارتون ذلك الوقت؟ 

قد يكون نجاحها بسبب ظروف الحرب التي كان لبنان يمر بها، حيث كان أغلب الناس يعتكفون منازلهم مما جعل نسبة مشاهدة التلفاز كبيرة. ولم يكن هناك وجود لزخم الفضائيات الموجودة حالياً (ما جعل نسبة المشاهدة أكبر).

كان الكبار والصغار يحبون متابعة برامج الأطفال (الكارتون) بسبب الرسالة الإنسانية التي تنقلها هذه البرامج للناس. فقد تابعوا مسلسل "جزيرة الكنز" من 35 سنة وتناقلته الأجيال لعدة سنوات. فقد أحبت الناس الشخصيات التي مثلت فيه بالإضافة إلى الموسيقى. وساعد هذا على نجاح المسلسل.

 ماذا حدث لأغاني الكارتون اليوم؟

اليوم يوجد مشهد مختلف. أطفال اليوم يشاهدون أموراً لا فائدة فيها، منها ما يتحدث عن العنف والجنس والخلاعة. أحياناً لا أصدق ما أشاهد فالأطفال الآن يشاهدون برامج استهلاكية لا تفكر بإنسانية الإنسان بل تركز فقط على الكسب المادي. إضافة إلى ذلك أصبحنا نشاهد تفككاً للعائلات وبعد عن الله واستغلال للناس. إلا أنني متفاءل أن عصور الانحطاط هذه ستليها عصور فيها نهضة.

ٍsami clark

 ما تأثير أغاني الكارتون والدبلجة باللغة العربية على الطفل؟  

برامج الكارتون ثقافة بحد ذاتها، خاصة عندما ترافقها موسيقى جميلة تعرف الطفل على تكنولوجيا جديدة (موسيقية). عندما عرض الفيلم منذ 35 عاماً، كان يمثل تكنولوجيا جديدة فيها كان سابقاً لعصره من حيث التوزيع والأداء الموسيقي. فالدول العربية لم تعرف شيئاً كهذا من قبل بسبب التهجير والحروب والفقر وكل هذا يسهم بإرجاع الفن إلى الوراء. بينما عرف الغرب نماذج أفضل للكرتون والموسيقى التي ترافقه.

أغاني أفلام الكارتون تحمل في طياتها ثقافة وأهداف سامية تهذب شخصية الطفل وتحثه للسعي وراء الحقيقة وألا يخالف القانون ويحافظ على البيئة ويمد يد العون للضعفاء والفقراء وأن يستعمل القوة لتحقيق العدالة، لا أن يسخرها من أجل العنف.

الآن تغيرت المفاهيم أرى أن الأطفال قد أصبحوا عنيفين ويعبرون عن رأيهم بقساوة لأن ما يشاهدونه على التلفزيون أصبح مختلفاً من فظائع حرب وعمليات التهجير والكراهية، فينعكس كل هذا على تصرفاتهم. أما مسؤولية الأهل ومحاولتهم تهذيب تصرفات أبنائهم هي مسؤولية صعبة لأنهم أيضاً ليسوا خارج دائرة الحروب. فيجب أن يكون هناك توجه وطني شامل تشارك فيها الوزارات والمدارس لإعادة توجيه ما يشاهد الأطفال بشكل سليم.

*الصورة الأولى: جزيرة الكنز/Shutterstock

*الصورة الثانية: الفنان اللبناني سامي كلارك من صفحته على فيسبوك/تنشر بإذن خاص منه

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".