الجزائر- بقلم أميل عمراوي:
وسط زحمة الشارع، تسمع صوت محمد، 15 عاماً، وهو ينادي بصوتٍ عالٍ مسوقاً البقدونس وشتى أنواع الحشائش التي تستعمل في الطهي، عساه يبيع بضاعته قبل غروب الشمس كما يؤكد لموقع (إرفع صوتك).
ويقول محمد ضاحِكاً "يجب ألا أسكت عن الصياح حتى ينتبه لي الناس والمارّة. يتوجب علي ذلك لأنني قصير القامة ولا يراني الجميع. ولا بد لي من أن أبيع البضاعة كاملة أو أكبر قسط منها قبل غروب الشمس. أنا أبيع حشائش الطهي وكما تعرف لو لم تباع في نفس اليوم ستذبل وأخسر ثمن شرائها وهو أمر لا أحتمله. تكفيني مصاريف بيتنا. لن أتحمل كساد بضاعتي".
تخيفني نظرة الناس لي
يلفت محمد إلى أنه لم يتمكن من إكمال دراسته لأن والده الذي كان يعمل حارساً بإحدى المؤسسات تمّ فصله، ثم مرض بعد ذلك، وتعسّرت أمور عائلته إثر ذلك ليجد نفسه مجبراً على الخروج من المدرسة منذ ثلاثة أعوام وامتهان بيع حشائش الطهي. وهكذا يساهم الصغير في إعالة أسرته المتكونة من أبيه طريح الفراش وأمه وأختيه الصغيرتين.
"لو كانت هناك مناصب عمل للكبار، لما اضطر الصغار للخروج إلى الشارع الذي لا يرحم. أعلم أنّني بصدد تضييع فرصة التعلم. أعلم كذلك أنه بإمكاني السقوط فريسة الآفات الاجتماعية، لكن ظروفي لم تترك لي الخيار".
وبعينيه البرّاقتين، يردف محمد صاحب "طابلة لحشاوش" كما هو معروف بحيّه الشعبي "أخاف من نظرة الآخرين. أعتقد أنّهم يعتقدون أننا لسنا من عائلات محترمة لأننا نعمل في سنٍّ مبكرة، لأننا مضطرّون لدخول بيوتنا بعد غروب الشمس. أتمنى لو يفهم هؤلاء بأننا مجبرون على ذلك وهي ظروفنا التي تملي علينا العمل، ليس خيارنا".
أتمنى أن أعود للمدرسة
محمد وإبراهيم وصلاح الدين عيّنة لأطفال من الجزائر اضطرتهم الحياة إلى ترك مقاعد الدراسة ودخول عالم العمل حاملين همّ عوائلهم رغم صغر سنهم. جميعهم في نفس السنّ وظروفهم الاجتماعية متشابهة.
ورغم صغر سنه هو الآخر (15 عاماً)، يقول إبراهيم الذي ترك الدراسة منذ ثلاثة أعوام كذلك "ربما أكون أصغر بائع دجاج بالعاصمة، لقد بدأت بالعمل عند بائعي الدجاج منذ بلوغي سن الـ12".
ويقول إبراهيم بعفوية في حديثه لموقع (ارفع صوتك) إنّه اضطر للعمل لأن والده عاطل عن العمل لا يكاد يؤمن القوت اليومي لأطفاله، ناهيك عن الالتزامات المتعلقة بفواتير الكهرباء والغاز والماء.
"لم يكن لي أن أترك أبي يعمل وحيداً وهو الذي يشتغل أحياناً ولا يفعل أحياناً أخرى، كنت أمتهن إزالة الريش للدجاج قبل أن يعرض للبيع وذلك خلال العطل الصيفية فقط وهو الأمر الذي جعل بائعي الدجاج يعرفونني ويثقون بمهاراتي. وبما أنني لم أكن من المتفوقين بالدراسة، فضلت الخروج للعمل طوال السنة ومساعدة والدي في إعالة أسرتنا".
يحظى إبراهيم باحترام الجميع كونه يعمل بجد طوال اليوم وكثيراً ما يطلبه الزبائن لِما رأوا منه من طيبة وعفوية. بشير الطفل إلى أنّ والده لم يجبره على ترك الدراسة، لكنّه أقنعه بذلك كون الكثير من حاملي الشهادات دون عمل.
ورغم ذلك، يسرّ إبراهيم لموقع (إرفع صوتك) "أتمنى لو أعود للدراسة. كيف لي أن أتركها لو كان أبي يعمل بشكل طبيعي، إنها الحاجة والضرورة".
بيتنا يعتمد على راتبي
على غرار محمد وإبراهيم، خرج صلاح الدين، 15 عاماً كذلك، للعمل إثر وفاة والده قبل سنة. وهو الآن "صبّي" بأحد المحلات بالجزائر العاصمة. يبيع مستلزمات تحضير الحلويات، وأضحى معروفاً وسط السيدات ممن يشترين أغراضهن عنده كونه يتيم الأب ويثير الإعجاب كما تؤكده إحدى السيدات.
"هذا الولد جميل ومن طينة طيبة، أشتري من عنده دائماً لأنه يتمتع بأخلاق عالية وهو شهم رغم صغر سنه".
ويؤكد صلاح الدين في حديثه لموقع (إرفع صوتك) بصوت خافت ونظرة محتشمة أنه خرج من المدرسة مبكراً حيث رأى من واجبه الاضطلاع بمهمة إعالة أسرته بعد وفاة أبيه بحادث مرور بداية السنة الماضية.
"لا يمكن الاعتماد على تعويض التأمين لأنه ضئيل جداً وبيتنا يعتمد أساساً على الراتب الذي أحصله. أنا الوحيد الذي يعمل بالبيت. لدي أخ في الثامنة من عمره وأمي ماكثة بالمنزل، أرفض أن تعمل".
*الصورة: محمد أثناء مزاولة عمله/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659