أربيل - بقلم متين أمين:

ما زال سيروان الطفل الأيزيدي الناجي من تنظيم داعش يتذكر ما شهده من مناظر ومشاهد أثناء تواجده في معسكرات تدريب الأطفال التابعة للتنظيم في سورية والعراق والتي قضى فيها عدة أشهر.

ولعل الصورة الأبرز التي لا تفارقه كما يشير إليها هي عملية إعدام التنظيم لأحد مسلحيه أمام أعين الأطفال خلال تدريبهم على كيفية إعدام الأشخاص، بقوله "صورة ذاك الرجل لا تفارقني".

في محافظة دهوك بإقليم كردستان، المحافظة التي تحتضن أكبر عدد من النازحين، غالبيتهم من الأيزيديين، بعد أن نزحوا من مناطقهم إبان سيطرة تنظيم داعش عليها في آب/أغسطس من عام 2014، التقى مراسل (إرفع صوتك) عائلة الطفل سيروان الذي نجا مع عدد من أفراد عائلته من داعش.

والد سيروان تمكن خلال الأشهر الماضية من إنقاذ زوجته وأربعة من أطفاله من داعش مقابل 30 ألف دولار أميركي، بينما بقي اثنين من أبنائه في قبضة التنظيم من دون أن يستطيع حتى الآن فعل شيء من أجلهما.

يروي سيروان الذي يبلغ من العمر 10 أعوام لموقع (إرفع صوتك) أنه بعد اعتقاله وعائلته من قبل داعش، نقلهم التنظيم فوراً إلى قضاء تلعفر وأبقوهم هناك لمدة من الزمن قبل نقلهم إلى ناحية القيارة ومنها إلى حي الخضراء في الموصل.

تدريبات عسكرية

في الموصل، فصل التنظيم الأطفال عن العوائل ونقلهم إلى معسكر في مطار دير الزور في سورية. "كان في المعسكر عدداً كبيراً من الأطفال من مختلف الأعمار، تقريباً 1000 طفل. في البداية، علمونا قراءة القرآن والصلاة وأجبرونا على أدائها".

خضع الأطفال في ذاك المعسكر، بحسب سيروان، إلى تدريبات مكثفة ووزعت عليهم الأسلحة وألبسوهم ملابس تشبه ملابسهم وعلموهم قيادة السيارات وصناعة القنابل ودروس عن داعش.

"المسلحون الذين كانوا يدربوننا كانوا من مختلف الجنسيات من عرب وأوربيين ويابانيين"، يقول الطفل، مشيراً إلى أن التدريبات كانت تستمر من ساعات الصباح الأولى وحتى الظهيرة، ومرة أخرى بعد استراحة قصيرة حتى الغروب.

صور قاتمة

"كانوا يقولون لنا إننا لن نرى عوائلنا مرة أخرى لأنهم كفار"، يقول سيروان الذي يشتكي من الأحلام التي تراوده. "أرى في المنام باستمرار ذلك الرجل الذي قتلوه أمام أعيننا. ذلك الرجل كان أحد مسلحيهم. أرى مسلحي التنظيم أيضاً، وتراودني الكوابيس حول ما كانوا يعلموننا ويقولون لنا أن نقتل الناس. الصور المرعبة التي شاهدتها خلال تلك المدة لا تفارق مخيلتي".

والدة الطفل

عائلة سيروان لم تسمح بالتقاط أي صورة لها لأسباب متعلقة بتواجد عدد من أبنائها وأقاربها حتى الآن في قبضة داعش.

وتقول والدة سيروان التي كانت هي الأخرى محتجزة لدى التنظيم وحُررت مع أربعة من أطفالها، في حين ما زال اثنين آخرين بيد داعش حتى الآن، إن سيروان أبلغها أن مسلحي داعش كانوا يأخذون الأطفال باستمرار إلى المستشفيات ليروهم جثث قتلى التنظيم التي كانت غالبيتها ممزقة ومقطعة.

"هذه المشاهد دمرت نفسية هذا الطفل، فهو يخاف جداً ولا يذهب إلى أي مكان مهما كان قريباً دون مرافقتنا له. كما أصبح عنيفاً جداً مع إخوته.. يضربهم ويصرخ عليهم وينهض خلال الليل عدة مرات من فراشه وهو مفزوع".

قصة التوأمين

وتروي والدة سيروان قصة طفليها التوأمين اللذين كانا أيضاً محتجزين لدى داعش. وتقول "لدي ولدان آخران توأم يبلغ عمرهما خمس سنوات، دربهم مسلحو داعش على صلاة المسلمين. وهما  ما زالا يصليان لحد الآن ويؤذنان في مواعيدها ويقولان لبقيه إخوانهم تعالوا نعلمكم على الصلاة. ينبغي أن تصلوا أنتم أيضاً. ولحد الآن يغنون أناشيد داعش الحربية التي تحث على القتل والدمار".

وتتابع "لدي ستة أطفال، حرروا جميعاً إلا اثنين من أبنائي، أحدهم عمره 15 عاماً والآخر 14 عاماً. لا أعلم ماذا حدث لهما. أخبارهما انقطعت منذ عام ويقال إنهما في معسكرات لداعش".

*الصورة: "لدي ولدان آخران توأمان يبلغ عمرهما خمس سنوات، دربهم مسلحو داعش على صلاة المسلمين"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".