صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

"نحن مجاهدون، سنقاتل السعودية"، هكذا خاطبت، شُهد محمد، خمسة أعوام، طفلاً آخر في مثل عمرها كانا يلعبان معاً أمام منزلهم وسط العاصمة اليمنية صنعاء، لحظة مرور مراسل (إرفع صوتك) بجوارهم، منتصف نيسان/أبريل الماضي، الأمر الذي لفت انتباهه فسألها عن اسمها.

تعكس هذه العبارة تقبل الأطفال لمستوى التحريض الكبير على العنف والشحن الطائفي الذي تمارسه بعض الأطراف المتصارعة وبعض العائلات اليمنية، فضلاً عن التنظيمات الجهادية.

آلاف المجندين

ومع استمرار الحرب منذ أكثر من عام، ارتفع عدد الأطفال المجندين والمشاركين في القتال بصفوف الأطراف المتحاربة (الحوثيون وخصومهم المحليون والجيش الوطني والحراك الجنوبي)، وتنظيمي القاعدة وداعش، في واحدة من أبرز الانتهاكات للمواثيق المحلية والدولية ضد هذه الشريحة.

تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إنّها تحققت من "848 حالة تجنيد للأطفال خلال عام واحد (2015)، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات، جندتهم كافة أطراف النزاع ليشاركوا في القتال، الجزء الأكبر في صفوف جماعة الحوثيين"، بزيادة تجاوزت 470 حالة عن العام 2014، وفقاً للمنظمة ذاتها.

لكن التقديرات المحلية تبدو أكثر قتامة، إذ يتجاوز العدد أضعاف هذا الرقم، بحسب أستاذة علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتورة عفاف الحيمي.

عاد جثة هامدة

وكحال مئات الأمهات اللواتي أثكلهن الصراع بفقدان أطفالهن كوقود للحرب الدائرة في اليمن، تحكي أم علي العُلفي (49 عاماً) بمنزلها شمالي العاصمة اليمنية صنعاء، ندمها وحسرتها لفقدان فلذة كبدها، 15 عاماً.

"ذهب للقتال بتعز رغماً عني وعن أبيه. أغروه (الحوثيون) بتوظيفه ضمن قوات الجيش رسمياً، لكنه عاد جثة هامدة"، تقول الأم لأربعة أطفال آخرين لموقع (إرفع صوتك).

صور التجنيد

أحمد القرشي، رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، قال إن هناك صوراً عديدة لمفهوم "تجنيد الأطفال" في اليمن.

"استخدام الأطفال لأداء خدمات لوجستية وإسناد، كالحراسات والمساعدة في الطبخ والتنظيف، وقيادة السيارات، وجمع المعلومات، كلها تعتبر تجنيداً للأطفال"، يقول القرشي لموقع (إرفع صوتك).

ويتابع "هذه مشكلة كبيرة تتفاقم يوماً بعد يوم، لم تحظَ بالاهتمام، رغم أنها تمثل تهديداً كبيراً، على المدى القريب والبعيد، للسلم والاستقرار على مستوى الجزيرة العربية".

وأضاف "التعليم في اليمن يتعرض لعملية هدم ممنهجة وخطيرة للغاية... الأطفال الذين سيتسربون من التعليم اليوم سيكونون وقوداً للحرب والمعارك غداً وخلال السنوات القادمة".

وعود وهمية

وتوضح الدكتورة عفاف الحيمي أن الفقر والتشرد والتفكك الأسري والأمية والجهل، أسباب رئيسة تدفع بالأطفال أو أهاليهم إلى إلحاقهم للقتال في صفوف المتحاربين.

تضيف الحيمي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "كل الأطراف المتصارعة استغلت حاجة الناس ومعاناتهم المعيشية السيئة وتدني كفاءة التعليم، وبالتالي تورطت بتجنيد الأطفال وإشراكهم في القتال، مقابل وعود ومبررات لا قيمة لها".

وتركز هذه القوى، حسب عفاف، على الأعمار الأقل من 18 عاماً "كونّها متهورة واندفاعية وغير مستوعبة للعبة السياسية. وفوق ذلك يعتقدون (الأطفال) أنهم يعالجون جزءاً من مشاكلهم الاقتصادية، بحصولهم على السلاح أو مال ضئيل، رغم أن الغالبية لا يؤمنون ولا يثقون بالمتصارعين".

وتسترسل "المفترض أن يكون هؤلاء المجندين من الأطفال والشباب في هذا العمر في المدارس والجامعات، يجري الاهتمام بهم وإعدادهم ليكونوا جيل المستقبل لبناء بلادهم، كما هو حاصل في كل الدنيا، لا أن يقدموا كبش فداء لأمراء الحرب والمتصارعين".

هذا الموضوع يؤرقني

تسرد امرأة يمنية، فضلت عدم ذكر اسمها، قصة تؤكد استغلال الأطفال.

"سمعت على لسان إحدى الأمهات في جلسة عامة أن ابنها قاتل لصالح طرف معين وبعدها هرب وعاد إلى منزله، وأنها وجدت صوره في أحد الشوارع ضمن قائمة بأنه أحد الشهداء! هذا دليل على أن العملية عشوائية، والجميع يؤذون أطفالنا.. يحسبونهم شهداء وهم أحياء".

مجدداً تقول عفاف الحيمي "هذا الموضوع يؤرقني، عندما أرى أطفالاً يقاتلون ويقتلون في جبهات القتال، الكل يؤذي أطفالنا. أشعر أن هؤلاء أطفالي وأنه ينبغي علي أن أحافظ عليهم".

آثار وعواقب كارثية

تُحذر الحيمي من آثار وعواقب كارثية على هؤلاء الأطفال، ومستقبل البلد بشكل عام، ينذر بأن جيلاً للدمار الشامل يلوح في الأفق، على حد تعبيرها.

وتقول "في حال نجوا من القتل، سيكونون عرضة للعاهات والتشوهات الجسدية نتيجة الحرب. والأسوأ من ذلك الاثار النفسية. جيل لا يفكر غير بالقتل والعنف، لذلك أتوقع شيئاً كارثياً للمجتمع اليمني في المستقبل".

الاستقرار والتعاون

أما أحمد القرشي فينهي حديثه محملاً كافة الجهات المحتربة، وإن بنسب متفاوتة، مسؤولية تجنيد الأطفال واستغلالهم في الحرب الدائرة. "يتحملون المسؤولية الكاملة إزاء استقطاب وتحشيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة. لا يمكن القضاء أو الحد من هذه الظاهرة، دون الاستقرار والتعاون مع المنظمات غير الحكومية ودعم من المنظمات الدولية".

*الصورة: "يتحملون المسؤولية الكاملة إزاء استقطاب وتحشيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة"/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".