بغداد – بقلم ملاك أحمد:

ما أن تدخل مخيم التكية الكسنزانية في بغداد للمرة الأولى، حتى يخيل إليك أنك لن ترى سوى دموع الحزن وأجواء مأساوية، خاصة عندما تقابل بعض سكانه وهم يتحدثون عن معاناتهم من فقدان الأهل والأقارب جراء سيطرة تنظيم داعش على مدنهم ومحنة الهرب والنزوح وتوفير الخدمات والحاجيات الإنسانية الضرورية.

إلا أنك ستفاجأ أنّه رغم قسوة الحياة في هذا المخيم، الواقع بالقرب من علوة الرشيد طريق الدورة السريع، فهو ليس كغيره من مخيمات بغداد التي قلما يجد أطفالها أماكن مخصصة للعب والترفيه، إذ حظي باهتمام بعض مانحي المساعدات من منظمات غير حكومية تهتم بالطفولة.

أشاركهم اللعب.. لكني لست سعيداً

معظم الأطفال ستشاهدهم وهم يلعبون خلف أسلاك تحيط بمساحة من أرض بعيدة قليلاً عن المخيمات وفيها بعض الألعاب وتستخدم أيضاً كمركز لتعليمهم وتأهيلهم نفسياً.

سعد عمر، 11 عاماً، هو أحدهم. نزح مع أهله عقب سيطرة تنظيم داعش على محافظة الأنبار عام 2014. كان يلهو في الملعب مع بقية الأطفال. لكنّه قال لموقع (إرفع صوتك) "أشاركهم اللعب، لكني لست سعيداً".

وأضاف وهو يشير إلى أوجه الفرق بين حياته التي كان يعيشها في بيتهم قبل النزوح والآن "لا معنى ولا قيمة لأي شيء هنا".

"صحيح فررنا من الموت. لكنني لا أستطيع العيش في سجن، لا أريد أن أبقى أكثر من هذا".

يتوقف قليلاً الصغير الذي لا يرتاد المدرسة حالياً عن الحديث ثم يستدرك بالقول "الوقت كلّه أقضيه في التجوال بين الخيم أو اللعب في هذا الملعب ".

كثيراً ما يتشاجر الصبية فيما بينهم

ورغم أن هؤلاء يلهون بألعاب رخيصة وقليلة تحت أغطية تحجب أشعة الشمس التي لا تقيهم حرارة الصيف والغبار، ورغم نقص المياه الباردة للشرب وبُعد دورات المياه عن المكان، إلا أنّ ذلك لم يؤثر على أصوات الصغار وضحكاتهم التي تسمعها قبل وصولك إليهم.

أحمد وليد، 12 عاماً، نزح مع أهله من محافظة الأنبار أيضاً. يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أشعر بالملل كثيراً ولا أجد فرصة للتخلص منه غير مشاركة أقراني في اللعب لحين منتصف النهار حيث يتم إغلاق الملعب".

ويضيف أحمد الذي توقف عن الدراسة كذلك "نتجمع بعد ذلك أنا ومجموعة من أقراني لنقضي الوقت أما باللعب أو الحديث عما يحدث وما حدث".

"كثيراً ما يتشاجر الصبية فيما بينهم، لأن البعض منهم يحاول أنّ يفرض نفسه ورأيه ليتحكم بنا بعد أنّ يترأس مجموعة منا"، حسب أحمد.

نادراً ما نغادر الخيمة

ما أن تبتعد عن ملعب الأطفال قليلاً حتى تقابلك نور عياش، 10 أعوام، أمام الخيمة التي تسكن فيها. تروي كيف تقضي أيامها بعد نزوحهم من مدينة صلاح الدين ووصولهم إلى المخيم. "أبقى دائماً مع أمي وشقيقاتي الثلاث ونادراً ما نغادر الخيمة".

تغطي سجادة تم الحصول عليها من مانحي المساعدات تراب أرضية الخيمة، في حين وضع تلفاز عتيق قرب مدخل الخيمة تتابع نور وشقيقاتها بعض البرامج والمسلسلات التي تعرضها القنوات المحلية ذات البث الأرضي.

نور تلميذة تدرس في مدرسة ابتدائية في المخيم. تقول لموقع (إرفع صوتك) "تعرفت على بنات بعمري ونشأت بيننا علاقة جميلة، ولا نفترق إلا عندما أعود من المدرسة".

لم تعد لي رغبة في الدراسة

الزائر لهذا المخيم الذي خصصت التكية الكسنزانية 87 دونماً من مساحته للنازحين، سيلاحظ الكثير من الأطفال يركضون بعضهم حفاة بين الخيم على التراب.

"الخيمة صغيرة المساحة وبالكاد تسعنا، لذا لا أطيق البقاء داخلها"، يقول أوس يوسف، 10 أعوام، وهو يحاول بحسرة أنّ يصف مقتنياته وأغراضه ولعبه التي تركها خلفه في منزلهم الذي صار كومة من الأنقاض. "قبل النزوح كان لدينا بيتاً كبيراً وحديقة واسعة، ألعبُ فيها وألهو مع أقراني، ودراجة هوائية وحاسوب".

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "فقدت هاتفي النقال، حيث أنفقنا كل مدخراتنا وباع أبي كل ما تبقى بحوزتنا من أجل الوصول لبغداد. ولا يوجد معنا مبالغ نقدية".

أوس بعد نزوحه هو وعائلته من مدينة صلاح الدين واستقرارهم في هذا المخيم لم يعد يفكر في العودة إلى الدراسة رغم وجود مدرسة داخل المخيم. "الأمر يعتمد على عودتنا لحياتنا السابقة  لذا لا أستطيع الآن. لم تعد لي رغبة في الدراسة".

يبحثون باستمرار عن طفولتهم

ومن بين هؤلاء الأطفال الذين يبحثون باستمرار عن طفولتهم فيصل فراس، يبيع حلوى رخيصة لصغار المخيم داخل محل شيده هو ووالدته من بقايا الصفيح وقطع القماش، بعد أن ترك والده هناك في متجره المتخصص ببيع المواد الغذائية والمنزلية في مدينة صلاح الدين ساعة مقتله على يد جماعة تنظيم داعش وفراره مع والدته.

والحديث مع فيصل، 12 عاماً، يستحضر معاناته بين التزامه بمساعدة والدته بعد فقدان والده، على توفير بعض المال من جهة، وبين رغبته في أنّ يعيش حياته مثل بقية الأطفال يلهو ويلعب ويذهب للمدرسة، من جهة أخرى.

"أحب كثيراً أنّ أعمل وأساعد أمي، لكن ليس طوال النهار. أحب أكثر أن يكون لي الوقت للعب مع الأولاد وما شابه ذلك".

*الصورة: "أحب أكثر أن يكون لي الوقت للعب مع الأولاد وما شابه ذلك"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".