بقلم خالد الغالي:

داعش ليس أول تنظيم يستخدم الأطفال في الدعاية. لكنه، على الأرجح، أول تنظيم يظهرهم، في أشرطة دعائية، وهم ينفذون عمليات إعدام.

في ظرف ستة أشهر فقط، بين آب/أغسطس 2015 وشباط/فبراير 2016، تم تسجيل 254 حالة استخدم فيها داعش الأطفال في الدعاية، بينها 12 حالة نفذ فيها أطفال بأنفسهم عمليات إعدام، وحالة واحدة ظهر فيها طفل يشارك في عملية إعدام في الشارع.

تقول مؤسسة "كويليام" البريطانية التي أصدرت هذه الإحصائيات، في آذار/مارس، إنه يمكن التمييز بين خمس فئات في الظهور الدعائي للأطفال في أشرطة داعش:

- المشاركة بشكل مباشر في أعمال عنف (قتال، عمليات انتحارية، إعدامات...).

- التطبيع مع العنف (مشاهدة إعدامات علنية، حمل ألعاب على شكل أسلحة...).

- المساهمة في بناء "الدولة" (التعلم في مدارس داعش، التجنيد، إرغام الناس على تطبيق قانون داعش، جمع أموال الزكاة...).

- الدعاية ليوتوبيا الخلافة (العدل، الدين، الحكم..).

- أخيراً، التظلم من السياسات الغربية.

ورغم الإدانة الدولية لاستخدام للأطفال في الدعاية، يبدو أن داعش يجد في الأمر وسيلة ناجعة لتحقيق أهداف معينة. فيما يلي أهم خمسة دوافع قد تكون وراء تكثيف تنظيم داعش لاعتماد الأطفال في الدعاية.

تعميم الخوف

نجح تنظيم داعش في إحداث صدمة غير مسبوقة في العالم أجمع، عندما أقدم على إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيّاً. كان الهدف واضحاً: رفع مستوى الرعب إلى أقصى درجة. وقد تابع التنظيم على نفس المنوال، فتعددت طرقه في مجال القتل: الإغراق، الإلقاء من فوق السطوح، الزج بالضحايا داخل سيارة ثم تفجيرهم.

ولا يمثل إظهار الأطفال، وهم ينفذون عمليات إعدام، إلا استمرارية للأعمال السابقة، بهدف تعميم الخوف. تقول راشيل برايسون، وهي باحثة من مؤسسة كويليام البريطانية، متخصصة في دراسة دعاية تنظيم داعش، في مقال لها بصحيفة الإندبندنت "يتم إظهار الأطفال في أشرطة الدعاية لأهداف نفسية محسوبة. تهدف إلى إثارة خوف عالمي عبر إظهار داعش نفسها للعالم على أنها دولة قوية تعمل بشكل كامل".

حرب أجيال

يسعى داعش إلى إيصال رسالة مفادها أن الحرب ضدها ستكون حرب أجيال، وهي بذلك تعد الخلف لحمل رايتها. وتتعمد الأشرطة الدعائية إظهار الأطفال، وهم في فصول الدراسة، أو في مراكز التدريب، أو حتى في الجبهة مع المقاتلين. يقول توماس كولي، وهو باحث متخصص في الدعاية واستراتيجيات الاتصال من جامعة لندن، في مقال بصحيفة التلغراف البريطانية، "مثل تلك الصور تعزز فكرة الاستمرارية، وأن الدولة الإسلامية موجودة وستبقى لأجيال. وما دام المجتمع الدولي يتغاضى عن وجودها، ستستمر في تكوين الجيل القادم من الجهاديين".

جاذبية إعلامية

يمكّن استخدام الأطفال تنظيم داعش من جلب انتباه وسائل الإعلام إليه، ويبقى بذلك داخل دائرة الضوء.

فمثلاً، سمح شريط فيديو يظهر طفلا بريطانيا لا يتجاوز السنة الخامسة من عمره، وهو يضغط على الزر لتفجير سيارة مفخخة داخلها أربعة أشخاص، التنظيم الإرهابي من أن يتصدر العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام. أما الطفل فأصبح أيقونة، حيث أطلق عليه "الجهادي الصغير". وقبل ذلك، اجتاحت صور طفل استرالي وهو يحمل رؤوسا مقطوعة مواقع التواصل الاجتماعي، في آب/أغسطس 2014، ممكنة داعش من هامش مساحة في الإعلام لا تعوض.

ورغم أن هذه الصور والأشرطة يصاحبها تنديد عالمي، إلا أنها تمكن التنظيم من نشر دعايته. توضح راشيل برايسون " يجلب استخدام القاصرين انتباه وسائل الإعلام إلى داعش، ما يوفر له أرضية لنشر أيديولوجيته. ويتم صنع تلك الأشرطة بهدف إبراز المظهر الطوبوي (من اليوتوبيا) للأيديولوجيا السلفية الجهادية".

أهداف تعليمية

بث تنظيم داعش، في كانون الثاني/يناير 2015، شريط فيديو يظهر طفلاً كازاخستانياً يعدم شخصين اتهمهما التنظيم بالتجسس لصالح الاستخبارات الروسية، رمياًَ الرصاص. قبلها بشهرين، كان الطفل نفسه ظهر في معسكر تدريبي متوعدا الدول الغربية: "سأكون ذباحكم يا كفار، سأكون مجاهداً".

يجسد مثل هذ الطفل نموذج "شبل الخلافة" الذي يتم تكوينه في معسكرات داعش، ثم إظهاره مثالا يحتذى لدى بقية الأطفال. تقول الكاتبة والصحافية سارة كوفمان في مقال بموقع "فوكاتيف" الإخباري الأميركي "اختيار طفل من مركز تعليمي للتمثيل في شريط عملية إعدام سيبث بدوره في مراكز مشابهة، هو رسالة مباشرة ومقنعة للتلاميذ. باختصار، تخلق داعش قدوة يحتذي بها الجهاديون الصغار، الموجودون تحت وصايتها".

التجنيد

قد تبدو دعاية داعش، في المجتمعات الغربية، منفرة ومثيرة للاشمئزاز. ولن ينظر إليها سوى أنها مزيد من الوحشية. لذلك، يرى توماس كولي أن الجمهور المستهدف بدعاية داعش هو بالدرجة الأولى الجمهور المحلي التي قد تكون لدى أجزاء منه قابلية لتقبل بعض أفكارها.

 يقول المحلل البريطاني "يمكن القول أن المجال المحلي هو الساحة الأهم لدعاية الأطفال التي يعتمدها داعش.. يسعى التنظيم إلى ترسيخ ونشر مذهبه على طول أراضيه. إنه يهدف إلى تجنيد أو، إذا كان ضروريا، إكراه عائلات بأكملها على الانضمام إلى قضيته. لا يتوقف الأمر عند مجرد مقاتلين أجانب أو عرائس مجاهدات. لذا، فالصور التي تبرز قيمة الأطفال تمدد منطقي لتنظيم يسعى لبناء مجتمع بأكمله. داعش توفر الفرصة للشباب الذين يترعرعون في زمن الحروب ليصبحوا أبطالاً مقدسين".

*الصورة: من الشريط الذي ظهر فيه الطفل الكازاخستاني عبد الله وهو يعدم أسيرين لدى داعش

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.