بقلم إلسي مِلكونيان:

"التركيز على حماية الطلاب أمر مهم. إن تطور الأحداث العالمية والمحلية يجعلنا في حاجة ملحة إلى توفير الأمان والأمن لهم".

جاء هذا في رسالة لوزارة التعليم الأميركية، وزعتها على مختلف المدارس في الولايات مطلع العام الحالي لاحتواء مشكلة التمييز ضد العرب والمسلمين على خلفية الأعمال الإرهابية والحروب الدائرة في الشرق الأوسط والربط بين الإسلام والإرهاب.

وينقل الموقع الإخباري "يو أس نيوز" عن وزارة التعليم، وجود حوالي خمسة ملايين طالب أجنبي في المدارس الأميركية، بما يمثل ستة في المئة من مجموع الطلاب المسجلين حالياً. ويضاف إلى هذا العدد حوالي 20 مليون آخرين مولودين لأهل غير أميركيين.

ويأتي أيضاً في نص البيان "ندعم جهودكم (مخاطباً المدرسين) التي تضمن عدم تعرض الطلاب للتمييز أو المضايقات بسبب الدين أو العرق أو الانتماء القومي خاصة في فترات ازدياد الخوف والغضب. وخاصة لدى انتشار المعلومات المغلوطة".

كما أشارت وزارة التعليم إلى وثيقة نشرتها وزارة العدل، تنص على 20 إجراء وقائياً يمكن للمدارس اتباعها للتخفيف من أحداث الكراهية ضد العرب والمسلمين والهنود السيخ.

لكن يبدو أن المدارس الأميركية قد طورت مناهج معينة بإشراف المرشدين التربويين للتعامل مع أفعال العنف والتمييز والكراهية التي قد تصدر عن بعض الطلاب تجاه زملائهم.

من داخل المدرسة

تعتبر مدارس مقاطعة فيرفاكس الحكومية بولاية فيرجينيا من أكبر المدارس في أميركا، إذ يأتي تصنيفها في المرتبة العاشرة من حيث عدد الطلاب البالغ عددهم حوالي 190 ألف طالب.

وتتعامل المدارس مع أفعال العنف والتمييز والكراهية التي يمارسها الطلاب تجاه زملائهم وفق منهج يتضمن تعريف وتحديد وقائع التمييز أو العنف الصادرة عن الطلاب، ويتم تعميمها على جميع المدرسين. ويحدد المنهج طرق التعامل والتدخل لحلها والتبعات النفسية. وتقوم المدارس أيضاً بعرض البرنامج على الطلاب ليتعرفوا بدورهم على تبعات هذه الأفعال، إن مارسوها، افتراضياً (عبر الإنترنت) أو شخصياً.

تشرح جنيفر سبيرز المرشدة في مدارس "فيرفاكس" الحكومية لموقع (إرفع صوتك) أنّه عند وقوع أحداث تتعلق بحروب أو تهجير بما يخص البلاد التي يأتي منها طلاب المدرسة الأجانب (كالشرق الأوسط)، تقوم الإدارة بتنبيه المدرسين ليضمنوا عدم تعرض هؤلاء الطلاب لمضايقات وأنهم يتمتعون براحة نفسية داخل المدارس. لكن عندما يتعرض أحدهم للتمييز أو الكراهية من زملائه، تتخذ المدرسة أساليب محددة لفض النزاع وضمان سير العملية التعليمية.

تقول سبيرز "لقد حدث ذات مرة أن نعت أحد الطلاب زميله المسلم بأنّه (إرهابي). فبعد أن قمنا بإخطار ذويهما، اتخذت الإدارة إجراءات المناسبة لتتحقق في الموضوع وسؤال المدرسين الذين حضروا المشهد ومن ثم عالجت الأمر مع الطالبين، المعتدى عليه والمعتدي، بوسائل مختلفة من دون أن يؤثر ذلك على دراسة الطلاب البقية".

وتضيف سبيرز "في جميع الأحوال، عندما يقوم أحد الطلاب بالإساءة إلى زملائه نراقب العوامل التي دفعته إلى ذلك ونتأكد من عدم تكرارها ونحاول منع تأثيرها السلبي على باقي الطلاب".

مصدر العنف

يعتبر اختصاصيو الإرشاد أن معالجة السلوك وحده لا تكفي للحد من العنف في المدارس. ويقول الدكتور فريديريك بيماك، أستاذ علم الإرشاد ومدير مركز بحوث التنوع في جامعة جورج مايسون في ولاية فرجينيا "يتوجب دراسة البيئة المحيطة بالطالب لنتمكن من معالجة السلوك بشكل صحيح".

ويؤكد بيماك لموقع (إرفع صوتك) أن التمييز وجميع الأفعال المشحونة بالكراهية أو حتى العنف هي نتيجة لما يمر به العالم اليوم من الخطابات السياسية ووسائل الإعلام التي قد تدفع على الكراهية، إذ لا تقتصر هذه الأفعال على الطلبة بل أيضاً على المدرسين الذين قد يكون لهم دوافع ليكونوا متحيزين ضد بعض طلابهم.

أما عن أساليب المعالجة التي يلقنها للمرشدين، الذين سيمارسون المهنة على أرض الواقع بعد إتمام دراستهم الجامعية، يشرح بيماك أنه لا توجد أساليب علاج موحدة، حيث أن لكل طفل ظروفاً مختلفة تحيط به يتوجب على المرشد أن يفهمها ليبث روح العزيمة في روح الطالب الذي يتعرض للعنف أو مشاعر الكراهية من زملائه، فلا يشعر بالدونية أو التهميش بل إن وجوده في المجتمع هو شيء إيجابي.

ويرى بيماك أن الشعور بعدم الأهمية قد تدفع بالشخص مستقبلاً لينتمي إلى الجماعات الإرهابية، قائلاً "فعندما يكون هناك رسائل إعلامية تنقل نية بعض السياسيين إغلاق الأبواب والحدود في وجه المسلمين، يكون لهذا تأثير سلبي على الأطفال الذين يعايشون هذه المواقف، إذ أنهم يعيشون في مجتمع يقلل من شأنهم وينظر باستخفاف إلى المكان الذي ينتمون إليه. وكنتيجة يدفع هذا البعض إلى الانخراط في بعض المجتمعات التي تميل نحو العنف كرد فعل. لذا يجب أن نفهم لماذا يتحرك الشباب في هذه الاتجاهات لنفهم الأسباب وراء الدوافع التي تجعلهم عدوانيين وأن نحاول تغييرها".

*الصورة: لكل طفل ظروف مختلفة تحيط به يتوجب على المرشد أن يفهمها/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".