بقلم حسن عبّاس:
"حاولنا إخراج الأطفال من جو الحصار والحرب وطلبنا منهم رسم أمور غير المأساة. لكن بعض الأطفال رسموا الحصار والحرب. وهنالك طفل رسم مجموعة أسلحة وقال إنه يريد أن يصير تاجر سلاح".
هذا مما قالته الناشطة في تجمّع ضمّة النسائي، في بلدة مضايا، مؤمنة أبو مستو لموقع (إرفع صوتك)، في حديث عن أنشطة الرسم التي يقيمها التجمّع لأطفال البلدة المحاصرة.
الواقع يفرض نفسه
يحاول المشرفون على الأنشطة توجيه الأطفال إلى مسار بعيد عن الأزمات والمآسي الكثيرة التي يعيشونها كل يوم بسبب الحرب وبسبب حصار بلدتهم. ينجحون مع البعض ويفشلون مع البعض الآخر.
"لو لم نوجّه الأطفال إلى مسار بعيد عن المأساة، لكانوا كلهم رسموا الحرب والحصار. ففي لعبهم يلعبون ألعاباً فيها الحاجز والحصار والحرب والطائرات والبراميل والاختباء والنزول إلى الملجأ..."، قالت أبو مستو.
إحدى المشاركات في نشاط الرسم، وهي طفلة صغيرة في الصف الخامس، قرّرت ألا تلتزم بالتعليمات، ورسمت حصار بلدتها. "حملت صورتها بخجل لأننا طلبنا منهم رسم شيء جميل، وقالت (هذه مضايا) طالبةً أن نعرض رسمتها على الجدار"، روت أبو مستو.
وعلّقت أبو مستو على الصورة "ألوانها فاتحة، لأن أقلام التلوين التي أدخلتها الأمم المتحدة إلى مضايا لونها فاتح".
ومضايا هي بلدة سوريّة تقع بالقرب من الزبداني، في محافظة ريف دمشق، شمال غرب مدينة دمشق، وكانت تعتبر مصيفاً يقصده السائحون قبل الحرب السورية.
وتضم مضايا نحو 40 ألف نسمة، بعضهم من أبنائها وبعضهم من النازحين إليها. وفرض النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه عليها حصاراً منذ بداية شهر تموز/يوليو 2015.
وقبل فترة، تصدّرت أخبار هذه البلدة المحاصرة الأخبار العالمية مع وصول المقيمين فيها إلى حافة الموت جوعاً. وقد مات بعض أبنائها من الجوع فعلاً ووثّقت ذلك منظمات دولية مثل "أطباء بلا حدود". ثم تراجع الحديث عنها منذ أن سمحت الحكومة السورية بإدخال شاحنات مساعدات إليها، مع أنها لا تزال محاصرة ولا يزال دخول المساعدات إلى أبنائها خاضعاً لصفقات سياسية غير مضمونة استدامتها.
وينشط تجمّع ضمّة في مضايا، وهو تجمع نسائي يعمل في أكثر من منطقة وأهدافه تخفيف آثار العنف وتطوير المجتمع من خلال مشاريع تنموية وتعليمية وإغاثية، ويركّز اهتماماته على قضايا لها علاقة بالنساء والأطفال.
رسومات "مشوّهة"
لم يُعلَّم الأطفال تقنيات الرسم بسبب ضعف الإمكانات المتوافرة في مضايا، وطُلب منهم أن يرسموا رسماً حراً، أي نقل خيالاتهم إلى الأوراق بالألوان الموجودة لديهم.
"حين طلبنا منهم رسم أُسرهم، شاهدنا نتائج عجيبة. أكثرية الأطفال رسموا أهلهم بلا عيون أو بأيادٍ طويلة، وهذا دلالة على أن هنالك عنفا جسديا يمارسه الأهل على الأطفال"، قالت أبو مستو، مضيفةً أن "كل الأطفال رسموا أهاليهم بلا أذنين".
وأضافت أن الأطفال الأكبر سنّاً كثيراً ما يرسمون الحرب والبراميل والجثث، و"مرّة رسم طفل صغير شخصاً مقسوماً نصفين"، تابعت.
"هنا الوضع صعب جداً. الأطفال عانوا كثيراً"، أكّدت أبو مستو.
حلم بمكان آمن
وروت أبو مستو أن بعض الأطفال، بعدما طُلب منهم رسم مكان جميل يحلمون بالذهاب إليه بعد انتهاء الحصار، "رسموا طرقات مفتوحة وأطفال يلهون في الطبيعة"، شارحةً أنّهم محرومون من الوصول إلى التلال المحيطة ببلدتنا ومحاصرون داخل المدينة.
كذلك، رسموا البحر. فـ"كل الأطفال يفكرون فقط بالخروج من هذا المكان المحاصر"، أضافت أبو مستو وتابعت أن "الأطفال حانقون من أن جيرانهم القريبين عندهم كهرباء وطعام بينما هم محرومون من ذلك ومدارسهم مقصوفة ولا يذهبون إلى المدارس".
وعن حال الأطفال، قالت أبو مستو "إنهم فاقدون للأمل وغير قادرين على الضحك. حتى عندما نقيم لهم حفل توزيع جوائز لا يضحكون. ونحاول جاهدين إعادة البسمة إلى وجوههم".
أحد الأطفال، صنع من الأوراق المتوافرة خيمة وكتب عليها "هذا حلمي في مكان آمن"، في عمل تشكيلي بسيط ولكنّه يعكس هول مأساة تحوّل حلم الأطفال إلى مكان آمن فقط لا غير، حتى ولو كان مجرّد خيمة.
لكن صديقه، وهو طفل في الصف السادس، قرّر صناعة بيت. ولعمله التشكيلي قصة. "قال إنه يحلم بتعمير بيت في طابقه العلوي عيادة مجانية تفتح أبوابها 24 ساعة يومياً. فهنا، لا وجود لأي طبيب في البلدة"، أخبرتنا أبو مستو.
*الصور: من رسومات رسمها أطفال بلدة مضايا السورية، خلال أنشطة نظّمها تجمّع ضمّة النسائي/تنشر بإذن خاص لموقع (إرفع صوتك)
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659