بقلم علي عبد الأمير:

تضاعف عدد سكان العراق أكثر من ثلاث مرات في الأربعين عاماً الماضية، وبنسبة تقارب 2.6 % سنوياً، بحسب ما يورده الأكاديمي والباحث الإقتصادي د. ناجح العبيدي ومع كل عام جديد يزداد عدد العراقيين بنحو مليون نسمة، وهو رقم كبير بكل المقاييس، يؤكده الناطق باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، حين يكشف في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) أنّ العراق واحد من ثلاث دول هي الأكبر في النمو السكاني عالمياً.

حيال هذا المؤشر الذي ينوه إلى "إنفجار سكاني"، ثمة تحديات كبيرة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، تعنيها مستلزمات الحياة من غذاء وسكن ومدارس ورعاية صحية وفرص عمل وترفيه لمليون إنسان إضافي سنوياً. وبما أنّ العراق في مستوى متصاعد من الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية، فإن التوسع السكاني يعني في وقائعه على الأرض، غياب "سياق معقول" لنمو الأجيال الجديدة، بل ودفع تلك الأجيال إلى ظروف طبيعية يتلقون خلالها الحد الأدنى من متطلبات التربية والصحة والضمان الإجتماعي.

ويلفت الهنداوي إلى ان السنوات الأخيرة، بما حملته من قلة الموارد، وغياب الموائمة بين نمو السكان والسياسات الاقتصادية، وعدم تطبيق "الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية" الصادرة العام 2012، وضعت البلاد أمام تحديات ما انفكت دون حل حقيقي.

نحن والعالم؟

ويؤكد المسؤول الحكومي أن التعليم هو المثال الأكثر وضوحاً لما تعنيه ظاهرة الانفجار السكاني، فهناك غياب لسياسات واضحة تأخذ بنظر الاعتبار مؤشرين: مخرجات التعليم ومدخلات سوق العمل، موضحاً "اليوم هناك أطفال كثر بدون مؤسسات تربوية وصحية، وهم بذلك يشكلون كارثة تلوح في الأفق، فحين يغيب التعليم الجيد وتغيب خدمات الصحة، تتصاعد نسبة الأمية، وتتصاعد نسبة الوفيات. هكذا هي الحال في العراق بينما تؤكد دول العالم على الاستثمار في التعليم بدءاً من رياض الأطفال صعوداً إلى مجتمع قادر على البناء".

جرس إنذار: أجيال بلا تعليم

وبحسب المؤشرات الرسمية التي يقدمها الهنداوي، حيث "نسب متصاعدة للمتسربين من المدارس، وعجز كبير في تأمين ما يحتاجه العراق من مدارس وهو يصل إلى نحو ستة آلاف مدرسة، فضلاً عن وجود نحو 500 مدرسة طينية ما تزال قائمة حتى الآن، ونسبة اكتظاظ في الصفوف إلى جانب وجود دوامين وحتى ثلاثة في المدرسة الواحدة"، فإنه يخلص إلى أن هذه "مؤشرات خطيرة تعنيها نسبة عالية لعمالة الأطفال تصل إلى 5  في المئة من أطفال البلاد، وارتفاع نسبة الفقر إلى 22 في المئة من سكان العراق، وهذه كلها تدفع إلى أنماط غير طبيعية من السلوك مثل وجود أطفال وقاصرين في مجموعات الجريمة المنظمة، والمجموعات المسلحة، مع توسع ظاهرة أطفال الشوارع".

قيم اجتماعية

إن كثرة الإنجاب التي ولدت "الانفجار السكاني"، تراها الباحثة في علم الإجتماع الدكتورة فوزية العطية، ترجمة لقيم اجتماعية تربط بين الإنجاب وتوفير اليد العاملة في الأراضي الزراعية (الأرياف)، دون الاهتمام بالتعليم وضروراته، مستدركة في حوار مع موقع (إرفع صوتك) أن " القيم الآن تغيرت، ولا بد من إعادة النظر بما ظل منها حاضراً وفاعلاً، فقانون الأحوال الشخصية الشيعي يبيح زواج البنت في التاسعة من عمرها، وهو ما يعني عدم إحساس بمسؤولية الانجاب، فهو ليس مهمة شخصية، ولا أمراً عائلياً، إنه مسؤولية اجتماعية واسعة. فمن سيأتي إلى الحياة يحتاج إلى موارد تكفل له الصحة والتربية والترفيه، وبهذا فإن مولودين اثنين يبدو خياراً واقعياً هو نقيض خيار ثمانية إلى 10 أطفال وهو معدل سائد في كثير من المجتمعات الفقيرة وذات الحظ الأقل في الوعي بمسؤولية الإنجاب".

وتشير الدكتورة العطية، إلى دراسات وبحوث في قسم علم الإجتماع بكلية الآداب في جامعة بغداد  خلصت إلى أن "الهجرة العشوائية التي أدت إلى ترييف بغداد، صاحبتها قيم تؤكد على كثرة في الإنجاب، وهذه ومع عدم تلبية الحاجات الأساسية للمواليد الجدد، أدت إلى صعود قيم سلبية مثلها العدوانية في السلوك والعنف بأشكاله".

وتوضح أن الخلاصات التي انتهت إليها تلك الدراسات والبحوث لم تجد أي شكل من الاهتمام، مما أبقى الأزمة متفاقمة، بينما لا حل إيجابياً في المستقبل القريب تبديه السلطتان التشريعية والتنفيذية، في وقت السلبي يتفاعل، فعدم إشباع حاجات الأجيال الجديدة، يوصل إلى حرمانها ويدفعها لاحقاً إلى سلوكيات التمرد والعنف، وهذه تقودها إلى الجماعات المسلحة والإرهابية".

*الصورة: الفقر في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".