بقلم حسن عبّاس:

"الطفولة على حافة الهاوية"، "لا مكان للأطفال"، "التعليم تحت النار"... هذه عناوين تقارير أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ومجرّد كلمات عناوينها تعطينا لمحة عن المخاطر التي تهدد الأطفال في الدول العربية.

في تقرير أصدرته يونيسف في الفصل الأخير من العام الماضي، بعنوان "التعليم تحت النار"، أشارت المنظمة إلى أن الصراعات الداخلية في بعض الدول العربية حرمت ملايين الأطفال من تلقي التعليم في المدارس.

وفي التفاصيل، تحدث التقرير عن ثلاثة ملايين طفل انقطعوا عن التعليم في العراق، و2.9 مليون في اليمن، و2.8 مليون في سورية ومناطق تمركز اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا ومصر، و2 مليون في ليبيا.

لكن معاناة الأطفال لا تتوقّف على ذلك أبداً، فهنالك ما هو أفظع.

سورية... جيل ضائع

في تقرير بعنوان "لا مكان للأطفال: تأثير خمس سنوات من الحرب على الأطفال في سوريا وطفولتهم"، بيّنت يونيسف أن نحو 8.4 مليون طفل سوري تأثروا بسبب النزاع الدائر في بلدهم منذ خمس سنوات، أي نحو 80 في المئة من مجموع أطفال سورية.

ويشكّل الأطفال نصف عدد اللاجئين في البلدان المجاورة لسورية، بينهم أكثر من 15 ألفاً عبروا الحدود السورية بدون ذويهم.

وقال التقرير إن أكثر من عشرة آلاف طفل قتلوا بين عامي 2011 و2013، و400 طفل قتلوا عام 2015، فيما أصيب 500 طفل في العام ذاته بتشوّهات.

ولفت إلى أن هنالك نحو 2.1 مليون طفل سوري في سورية و700 ألف طفل في الدول المجاورة لم يلتحقوا بالمدارس.

وأشار إلى أن أكثر من مليونين من الذين لا تصلهم المساعدات هم من الأطفال، منهم أكثر من 200 ألف في مناطق محاصرة.

وأعلن التقرير تحقّق يونيسف من حدوث قرابة 1500 "انتهاك جسيم" بحق الأطفال في عام 2015، مشيراً إلى أن أكثر من 60 في المئة من هذه الانتهاكات كانت حالات قتل وتشويه نتيجة استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.

العراق... بلد الخوف

أكّد تقرير للأمم المتحدة أن هنالك مليون طفل بعمر الالتحاق بالمدارس نازح داخل العراق، من أصل 3.2 مليون نازح داخلي.

وتحدث التقرير المذكور عن قتل داعش لأطفال مجنّدين بسبب هروبهم من خطوط المواجهة في محافظة الأنبار، وعن اختطاف ما يُراوح بين 800 و900 طفلاً في الموصل بهدف إخضاعهم للتعليم الديني والتدريب العسكري.

وكان بيان صادر عن ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة ويونيسف في العراق قد أشار إلى التحقق من مقتل 189 طفلاً وإصابة 301 آخرين نتيجة للصراع في العراق عام 2015.

ولفت البيان إلى حرمان مئات الأطفال في المناطق المتضررة من جراء الصراع من الحصول على الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم بسبب الهجمات على المدارس والمستشفيات.

اليمن... طفولة على حافة الهاوية

في تقرير أصدرته مؤخراً بعنوان "الطفولة على حافة الهاوية"، أوضحت يونيسف أن ستة أطفال في اليمن يقتلون أو يصابون يومياً، مؤكدةً مقتل 934 طفلاً وإصابة 1356 آخرين عام 2015.

وأشار التقرير إلى أن أعداد الأطفال المجندين تضاعفت، وأن 10 ملايين طفل يحتاجون إلى مساعدات غذائية وصحية عاجلة.

وتشير تقديرات يونيسف إلى أن قرابة 10 آلاف طفل دون سن الخامسة ربما لقوا حتفهم العام الماضي بسبب أمراض كان يمكن الوقاية منها، وذلك "نتيجة لتدهور الخدمات الصحية الأساسية بما في ذلك التلقيح وعلاج الإسهال والالتهابات الرئوية".

وبات نحو 1.7 مليون طفل عرضة لخطر سوء التغذية، واضطر أكثر من 1.4 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم، كما تعطلت العملية التعليمية لأكثر من 1.8 مليون طفل جراء إغلاق المدارس، بحسب التقرير.

ليبيا... اختفاء أطفال

في نهاية العام الماضي، أعلنت يونيسف أن أكثر من 800 ألف طفل ليبي يحتاجون إلى الحماية والمساعدة الإنسانية، بعد تعرّضهم إلى انتهاكات عنيفة واستغلال.

وأوضحت المنظمة أن أكثر من 270 ألف طفل في بنغازي وحدها بحاجة ملحة إلى الدعم النفسي والمساعدة الاجتماعية.

ويجنّد داعش أطفالاً ليبيين. ولعلّ أبرز قضية ذات صلة هي قضية الطفل عبد المنعم ضويلة. فهذا الطفل اختفى فجأة ثم اتصل بأهله ليخبرهم أنه رحل إلى "أرض الخلافة"، بحسب وصفه لمنطقة سرت الليبية التي يسيطر عليها التنظيم. ثم كانت الصدمة حين أعلن داعش عن تنفيذ أبي عبد الله الأنصاري هجوماً انتحارياً على خزانات نفط في ميناء سدرة. ولم يكن الأنصاري سوى ذاك الطفل.

وقد بدأ داعش يجنّد الأطفال الليبيين في منطقة درنة منذ عام 2014، وأسس مراكز لتدريبهم على القتال. وبعد فقدان السيطرة على درنة نقل نشاطه إلى مدينة سرت ومناطق أخرى يسيطر عليها. وتتحدث تقارير إعلامية عن تجنيده نحو 150 طفلاً في سرت.

تجنيد الأطفال

في اليمن، أكّدت يونيسف في تقريرها المذكور أن أطراف الصراع "ضاعفت" تجنيد الأطفال، موثقة 848 حالة، منها لأطفال لا يتعدّى عمرهم 10 أعوام.

وفي سورية، أكّدت المنظمة أن الأطراف المتحاربة بدأت منذ عام 2014 تجنّد أطفالاً في سن أقل من 15 سنة، ولا تزيد أعمار بعضهم عن سبعة أعوام، وغالباً من دون موافقة ذويهم.

كما أشار بيان للمنظمة إلى توثيق حالات تجنيد أطفال في العراق وسورية لاستخدامهم كمخبرين ولحراسة مواقع استراتيجية ونقاط تفتيش. وبحسب منظمات حقوقية فإن عدد هؤلاء بالمئات.

*الصورة: طفلة سورية تنتظر دورها على الحدود الكرواتية المجرية للعبور إلى بلد أكثر أمناً/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".