صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:
يقضي هاني الريمي، ستّة أعوام، قرابة أربع ساعات بشكل شبه يومي تحت حرارة الشمس، بشارع التحرير وسط العاصمة اليمنية صنعاء، لبيع نصف طبق بيض مسلوق (15 بيضة)، تنفيذاً لتوجيهات والديه.
ومع تفاقم ضغوط الأزمة الاقتصادية في اليمن، تزايدت أعداد الأطفال العاملين إلى قرابة ثلاثة ملايين شخص تحت سن الـ18، نصفهم تسربوا من المدارس، مقارنة بمليون و614 ألف عام 2010، وفقاً لمنى سالم، مديرة وحدة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ليس لدينا غذاء
"أعمل لأنه ما بش (ليس لدينا) معانا حق غداء وكسوة، أبي ما يديلناش (لا يعطينا) ولا أي حاجة. أنا أعمل بالتحرير، وأخواتي الأربع يعملن بالشارع في حارتنا (بمنطقة شعوب شرقي العاصمة)"، يقول الريمي لموقع (إرفع صوتك)، الذي التقاه في بوابة وزارة العمل حيث يبيع البيض، قبل أن يتدخل شخص ثالث مستخدماً العنف اللفظي ضدنا، ويحول دون استكمال الحديث، بحجة أنه قريب الريمي.
موظف في مكتب العمل، فضل التحفظ على اسمه، شرح لنا معاناة هذا الفتى المنضم منذ أكثر من عام لسوق العمل مقابل عائد مالي لا يفي بثمن وجبة واحدة. "غالباً يأتي إلينا ونشتري منه. يكسب حوالى 300 ريال (أقل من دولار ونصف الدولار). للأسف والداه أجبراه هو وأخواته على العمل".
اعتداءات جنسية
يتقاضى الأطفال العاملون أجوراً لا تتناسب مع الأعمال التي يؤدونها، ويعملون دون عقود تضمن حقوقهم، ويتعرضون للضرب والإهانات، لكن الأكثر خطورة ما يتعرضون له من انتهاكات جنسية تتزايد.
عبد الرحيم الوصابي، مفتش ميداني خاص بعمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية، قال لموقع (إرفع صوتك) "هؤلاء يتعرضون للعنف والاعتداءات الجنسية. قبل أشهر أحد الأطفال العاملين تعرض لاعتداء جنسي وتم ضبطه والجاني من قبل الأمن، لكننا لا نعلم مصيرهما الآن. توجد مآسي كثيرة من هذا القبيل".
لا أستطيع تعليمه
في سوق السباح بصنعاء القديمة، رفض مازن محمد ثابت، 11 عاماً، الحديث لموقع (إرفع صوتك)، حول أسباب تركه للتعليم، بينما كان يجلس بجوار والده لبيع الخضروات والفاكهة، لكنه لم يستطع أن يخفي ملامح القلق والحزن التي لاحت على وجهه.
حينها تدخل والد مازن، محمد ثابت، قائلاً لموقع (إرفع صوتك) “أنا لا استطيع أن أرسله للدراسة ومثلي كثر. نحن فقراء. 80 في المئة من الشعب اليمني يعاني من الفقر والبطالة لأن الحكومة لم تبنِ اقتصاداً وطنياً”.
كرهت الدراسة...
على بعد ثلاثة أمتار تقريباً، كان عرفات معمر، 12 عاماً، يعمل هو الآخر مع شقيقه ووالدهما في بيع الخضروات أيضاً.
"تركت المدرسة في صف الخامس ابتدائي. لا أريد أن أدرس، كرهت الدراسة، يوضح عرفات لموقع (إرفع صوتك) سبب عزوفه عن التعليم، ويبتسم.
ويفسر شقيقه نشوان، 30 عاماً "ربما المدارس غير جاذبة للأطفال".
ويعزو خبراء اجتماع واقتصاد، أسباب ذلك إلى افتقار المدارس لعوامل الجذب، وخلل في العملية التعليمية، وثقافة المجتمع السائدة بضرورة العمل، وتدني النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات نمو السكان والفقر والبطالة.. ويعتبرونها كذلك أسباباً رئيسية تدفع بالأطفال إلى سوق العمل.
مؤرقة ومستقبل كارثي
تقول منى سالم، في حديث لموقع (إرفع صوتك)، إن عمالة الأطفال ظاهرة مؤرقة، ساهمت الأزمة المستمرة في تفاقمها، محذرة من آثارها الكارثية.
وتتابع "غالبية الأطفال يعملون في ظروف سيئة، فبحسب مسح عام 2010، اتضح أن 83 في المئة يعملون بالزراعة، ورش المبيدات الخطرة، وصيد الأسماك، ومهن أخرى (في المطاعم ومحطات البترول ومواقع البناء وغيرها) تضر بصحة الطفل جسدياً وعقلياً وأخلاقياً، خاصة وأن الغالبية تركوا الدراسة، ما يعني أننا لن نحصل على جيل متعلم ومؤهل. مستقبل البلد سيكون كارثياً".
تشريعات وعملية تدريجية
تسرد منى سالم ما تقول إنها جهود ايجابية لوزارتها. "لم تكن هناك أي تشريعات سابقة تحمي الأطفال في سوق العمل. الآن صار لدينا باب خاص في قانون حقوق الطفل 2002، حدد ساعات العمل بست ساعات، وعند 14 سنة... ولدينا القرار الوزاري رقم 11 لسنة 2013 الخاص بالأعمال المحظورة (كالزراعة واصطياد الأسماك، والأعمال الليلية، وورش إصلاح السيارات...) والأعمال المسموح بها للأطفال دون 18 سنة".
وتسترسل "هذه تضمنتها الاتفاقيتان الدوليتان رقم 182، و138 الصادرتان عن منظمة العمل الدولية، ووقع عليهما اليمن".
لكنها تستدرك "مشكلتنا الآن بتطبيق هذه التشريعات. نحن لا نستطيع سحب طفل مباشرة من عمله، فقد يؤثر ذلك سلباً على الأسرة، التي تعتمد عليه كعائل، لكننا نقوم بعملية تدريجية".
*الصور: طفلان يمنيان أثناء العمل/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659