بقلم إلسي ملِكونيان:

تشكل عمالة الأطفال خطراً متزايداً يهدد الأطفال في العديد من الدول العربية، نتيجة عوامل عدة منها الحروب وخسارة المُعيل وارتفاع معدلات الفقر بصورة عامة في الكثير من الدول. ويمكننا التمييز بين أنواع الأشغال التي يمكن أن يقوم بها الطفل حسب منظمة العمل الدولية التي تشير إلى نوعين مختلفين من الأعمال التي يقوم بها الطفل:

النوع الأول: وهو ما لا يتعارض مع الحياة المدرسية للطفل ولا يؤثر على صحته أو نموه. ويتضمن هذا مساعدة الأهل في القيام بالأعمال المنزلية أو العمل العائلي خارج أوقات المدرسة وأثناء العطل المدرسية. تساهم هذه الأنشطة في تطوير شخصية الطفل وتعود بالنفع على عائلته، فتساعده الخبرة التي يكتسبها من خلال عمله لكي يصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه في المستقبل.

النوع الثاني: هو الذي يحرم الطفل من طفولته وهو ما يعرف بـ"عمالة الأطفال" وله مضار على التطور الذهني والجسدي للطفل. كما أنه يؤثر سلباً على تعليمه أو يجبره على ترك المدرسة في سن مبكرة أو أن يدفعه إلى الجمع بين ساعات العمل الشاقة وساعات الدوام المدرسي.

 "عمالة الأطفال" في الدول العربية

 نشرت الكثير من التقارير عن عمالة الأطفال في الدول العربية. لكن الإحصاءات الأخيرة (خلال عام 2015) والتي نشرتها منظمة العمل الدولية ركزت على وضع الأطفال في أربعة بلدان وهي: الأردن والعراق واليمن ولبنان (بالتركيز على الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان).

وعليه، تتواجد أعلى معدلات عمالة الأطفال في اليمن، وذلك بنسبة 14 في المئة من الأطفال (حوالي 835 ألف طفل) تتراوح أعمارهم بين 5-14 سنة. بينما يأتي العراق في المرتبة الثانية ولبنان في الثالثة بنسبة سبعة وخمسة في المئة على التوالي.

هذا ويمتلك الأردن أدنى معدلات في عمالة الأطفال بين الدول العربية، إذ يعمل أقل من نسبة واحد في المئة من الأطفال (بما يقارب 11 ألف طفل). ومن الملاحظ أن عدد الصبيان العاملين في الدول الأربع يفوق عدد الإناث، وقد يصل إلى ضعفي عددهن في كل من العراق ولبنان والأردن.

ويعمل غالبية الأطفال في اليمن والعراق في الزراعة، ويمكن ملاحظة هذا في المناطق الريفية أكثر من المدن، بينما ينشطون في الأردن في مجالي الزراعة والتجارة. ويعتبر العمل الزراعي من الأعمال الخطرة، بسبب تعرض الأطفال إلى المبيدات الحشرية والآلات الزراعية والإجهاد الجسدي. ولا تتوافر إحصاءات كافية عن وضع الأطفال الفلسطنيين في لبنان. وبالمجمل، تتنوع طبيعة العمل بين التجارة والخدمات والصناعة في المدن.

علاوة على ذلك هناك نسبة كبيرة من الأطفال تعمل دون مقابل. ففي اليمن مثلاً لا يتقاضى ثلثا الأطفال الذين يعملون مقابلاً، أما في العراق فتبلغ هذه النسبة 26 في المئة و51 في الأردن. ويتقاضى الأطفال في العراق والأردن أجراً بنسبة 27 و44 على التوالي. وفي المجمل يكون العمل المنزلي بين الإناث أكثر شيوعاً من الذكور وخاصة في المناطق الريفية.

ويأتي الأردن في مقدمة الدول من حيث ساعات العمل التي تشغل بها الأطفال إذ تصل ساعات العمل إلى 32 ساعة في الأسبوع، يليه اليمن بـ20 ساعة في الأسبوع، ما يؤثر سلباً على تعليم الأطفال وأوقات فراغهم.

العمل والتعليم

تشير الدراسة إلى أن معظم الأطفال يجمعون بين الدراسة والعمل. وتبلغ نسبة الأطفال الذين تخلفوا عن التعليم ستة في المئة في اليمن.

ولوحظ أيضاً أن معظم الأطفال الذين دخلوا مجال العمل ويرتادون المدرسة لا يتمكنون من إحراز درجات عالية، بعكس الأطفال الذين لا يعملون. إلى ذلك، توجد أكبر نسبة للأطفال المتسربين من المدارس في اليمن والعراق بنسبة 21 و14 في المئة على التوالي. ويكون التسرب بين الإناث أكثر من الذكور.

وبحسب المنظمة، يجب على الحكومات العربية مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال وذلك بتشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة وتحسين جودة التعليم في المدارس وإعطاء المتسربين فرصة ثانية للالتحاق بالتعليم وزياد الوعي والضمان الاجتماعي للقضاء على الفقر وسن التشريعات الملائمة.

وقد أعلنت منظمة العمل الدولية، يوم 12 حزيران/يونيو من كل عام، يوماً عالمياً لمكافحة عمل الطفل، حيث يجتمع صناع القرار من جميع أنحاء العالم لبحث ما يمكن فعله لمساعدة الأطفال عن طريق تقديم الحماية لهم وإقامة أنظمة ضمان اجتماعي لتلبية حاجاتهم وتوفير حماية اجتماعية لأكثر الفئات ضعفاً.

*الصورة: أطفال يعملون في إحدى ورش تصليح السيارات في اليمن/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".