بقلم خالد الغالي:

لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد حملة جديدة على موقعي فيسبوك وتويتر، لنقل مطالب أو نشر هاشتاغ مؤيد لقضية ما، أو حتى لدعم مرشح في الانتخابات هنا أو هناك. كل هذا مصدره انطباع عميق، ومنتشر على نطاق واسع، أن لمواقع التواصل الاجتماعي قدرة هائلة على صناعة الرأي العام، وتوجيهه.

ويتعزز هذا الانطباع بوجود أكثر من مليار و600 ألف مستخدم لفيسبوك و310 مليون مستخدم لتويتر. فإلى أي حد هو صحيح؟

من يمثل الرأي العام؟

يبدو أن الانطباع السائد بخصوص دور فيسبوك وتويتر في صناعة الرأي العام مبالغ فيه.

فحسب دراسة أجراها معهد بيو للأبحاث في واشنطن وامتدت لسنة كاملة ونشرت سنة 2013، حول عدد من الأحداث السياسية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، جاءت توجهات الرأي العام، كما أبرزتها الاستطلاعات الميدانية، مخالفة تماما لردود الفعل في موقع تويتر.

وقارنت الدراسة بين المواقف التي أبداها متصفحو تويتر وبين نتائج ثمانية استطلاعات رأي أجريت على مستوى أميركا، بخصوص أحداث كبرى مثل إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما وزواج مثليي الجنس.

وتبين أنه في الوقت الذي تظهر فيه ردود الفعل على تويتر "ليبرالية" حول قضية معينة، مثل زواج المثليين، يظهر الرأي العام "محافظاً".

فعندما قضت محكمة فيدرالية بعدم دستورية قانون سنته ولاية كاليفورنيا يحظر زواج مثليي الجنس، أبدت 46 في المئة من التغريدات المنشورة على تويتر تأييدها لقرار المحكمة، في حين رفضتها 8 المئة فقط.

في المقابل، سار الرأي العام في الاتجاه المعاكس تماما: 44 في المئة من المستجوبين أبدوا غضبهم من قرار المحكمة الفيدرالية، بينما لم يؤيدها سوى 33 في المئة.

تكرر الشيء نفسه عندما أعيد انتخاب باراك أوباما رئيسا لأميركا. ففي حين أبدى 77 في المئة في تويتر سعادتهم بإعادة انتخابه (مقابل 23 في المئة من الرأي المعاكس)، نزلت النسبة في استطلاعات الرأي إلى 52 في المئة مقابل 45 في المئة.

يعود هذا الاختلاف حسب الدراسة إلى أن "من يحصلون على الأخبار من تويتر، وخاصة من يقومون بنشرها، يختلفون ديموغرافيا عن الرأي العام".

يوضح هذا، بشكل جلي، أن المواقف التي تم التعبير عنها في موقع تويتر لم يمكن لها تأثير حاسم على أرض الواقع. وهو ما يعني أن الدور المنسوب لمواقع التواصل الاجتماعي بخصوص تشكيل الرأي العام الأميركي، وتحويل اتجاهاته، يظهر مبالغا فيه نوعا ما.

مصادر الأخبار

تمثل المصادر التي يتلقى منها الأفراد الأخبار اليومية محددا أساسيا في تشكيل آرائهم السياسية. ولحد الساعة، لا تحتل وسائل التواصل الاجتماعي رتبة المصدر الأول للأخبار.

فحسب استطلاع رأي لنفس المؤسسة (بيو) يأتي الإنترنت في الرتبة الثالثة، بعد قنوات التلفزيون المحلية والوطنية، في لائحة المصادر التي يحصل منها الأميركيون على الأخبار.

وفي كندا، أكد استطلاع آخر للرأي أن وسائل الإعلام التقليدية (راديو، صحف، تلفزيون) ما تزال المصدر الأول للأخبار وتشكيل الرأي العام.

وأظهرت الإحصائيات أن تسعة في المئة فقط من الكنديين يعتمدون على شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر أول للأخبار، فيما ما يزال 80 في المئة يعتمدون على التلفزيون والصحف ومواقع الإنترنت (إخبارية وغير إخبارية).

ويؤكد المستجوبون أيضا أن هذه وسائل الإعلام التقليدية تبقى في نظرهم الأكثر وثوقية ومصداقية، ما يعني أنها تمثل العامل الأول في تشكيل آرائهم.

وفيما بلغت نسبة الذين "غيروا رأيهم" بعد مشاهدة مادة ما على الإنترنت 42 في المئة، قال 12 في المئة فقط أنهم "تأثروا" بمشاركات منشورة على موقع فيسبوك.

"يجعل هذا المسألة صعبة، بشكل عام، على مجموعات المصالح لكسب رهان جذب الانتباه، إذا كان هدفها المباشر هو التأثير على الآراء، وبالنتيجة، السياسات"، يخلص الاستطلاع.

*الصورة: يملك فيسبوك أكثر من مليار و600 ألف مستخدم، فيما يملك تويتر 310 مليون مستخدم/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".