بقلم حسن عبّاس:

"تورد العناوين الرئيسية روايات خاطئة مفادها أن الأيديولوجيات الجهادية المتطرفة قد جذبت بطريقة أو بأخرى أعداداً كبيرة من المسلمين. وفي الواقع، إن العكس صحيح".

هذه خلاصة توصّل إليها ديفيد بولوك، الباحث في مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وفي دراسة ثانية حذّر قائلاً "دعونا لا نقع في الخطأ الخطير، الذي يريدنا تنظيم داعش أن نقع به، وأن نتخيل أن التنظيم هو البطل والموجة المستقبلية للجماهير العربية والإسلامية".

رفض واسع للتطرّف

يشير بولوك إلى أن 95 في المئة من الجماهير العربية تنظر نظرة سلبية إلى داعش. ويؤكد أن "هذه ليست تقديرات، بل بيانات مؤكدة واقعية"، شارحاً أنه استخلصها من استطلاعات رأي علمية قام بتنظيمها في أيلول/سبتمبر 2014، وحزيران/يونيو 2015، وأيلول/سبتمبر 2015.

وفي التفاصيل التي تؤكد أن داعش والقاعدة والتنظيمات الجهادية الأخرى تخظى فقط بتأييد ضئيل، يقول بولوك إنّه في مصر والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وفلسطين، تراوحت نسبة تأييد التنظيمات الجهادية بين اثنين وخمسة في المئة وهو ما اعتبره "أرقاماً هزيلة".

التطرّف خطر كبير

من جانب، آخر، تعتبر أغلبية ساحقة من العرب أن تنظيم داعش يشكّل خطراً كبيراً، وهو ما أظهره استطلاع رأي أجرته شركة "أصداء بيرسون – مارستيلر" لاستشارات العلاقات العامة بواسطة شركة الاستطلاعات العالمية "بين شوين آند بيرلاند".

وشمل الاستطلاع شباباً وشابات ينتمون إلى الفئة العمرية بين 18 و24 عاماً، وغطى دول مجلس التعاون الخليجي الست (الإمارات، البحرين، السعودية، عمان، قطر، والكويت)، والأردن، والعراق، وفلسطين، ولبنان، واليمن، وتونس، والجزائر، وليبيا، ومصر، والمغرب.

وبيّن الاستطلاع أن 77 في المئة من الشباب العرب يشعرون بالقلق بسبب ظهور داعش، كما اعتبر 50 في المئة منهم أن ظهور هذا التنظيم يشكّل العقبة الأكبر التي تواجه منطقة الشرق الأوسط.

لا بل أن 55 في المئة من الشباب العرب اعتبروا أن الدين يلعب دوراً أكثر مما ينبغي في الشرق الأوسط.

أسباب التطرّف

من المفيد الاطلاع على رأي العرب حول الأسباب التي تستغلها التنظيمات الجهادية لتجنيد عناصر جدد.

وفي هذا الخصوص، أفاد استطلاع رأي أجراه مركز زغبي للأبحاث على شباب تتراوح أعمارهم بين 14 و35 عاماً، وينتمون إلى سبع دول هي المغرب ومصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن، إضافة إلى الأراضي الفلسطينية، بأن 50 في المئة من المغربيين و69 في المئة من الإماراتيين يعتبرون أن الحكومات الفاسدة والقمعية وغير التمثيلية هي العامل الأساسي في انتشار التطرف، بينما اعتبر 44 في المئة من المغربيين و46 في المئة من المصريين أن الخطاب الديني المتطرف هو السبب.

وأظهر استطلاع "أصداء بيرسون – مارستيلر" أن 24 في المئة من الشباب يعتبرون أن السبب الأبرز وراء الانضمام إلى داعش يعود إلى نقص الوظائف والفرص المتاحة للشباب، و18 في المئة ردّوا ذلك إلى اعتقاد المنضمّين بأن إسلامهم هو الصحيح، و12 في المئة ردّوه إلى فساد الحكومات العربية.

التطرّف تحريف للإسلام

أظهر استطلاع زغبي الذي أُعدّ لصالح مؤسسة طابة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها أن 93 في المئة من الشباب المغربيين، و92 في المئة من شباب الإمارات، و83 في المئة من شباب مصر يعتقدون أن ممارسات التنظيمات المتشددة تمثل تحريفاً للإسلام، فيما بلغت النسبة 65 في المئة في البحرين و61 في المئة في الأردن، و58 في المئة في فلسطين و57 في المئة في السعودية، و45 في المئة فقط في الكويت.

وفي المقابل اعتبرت أن داعش لا يحرّف الإسلام نسب 15 في المئة في فلسطين و13 في المئة في الأردن، و10 في المئة في السعودية، وسبعة في المئة في الكويت وأربعة في المئة في كل من مصر والبحرين، وأقل من واحد في المئة في كل من المغرب والإمارات.

لكن معظم العرب راضون عن طريقة ممارسة الدين في مجتمعاتهم ولا يعتقدون أن هذه الطريقة تتعارض مع العالم الحديث ولا يعتبرون أنه يجب إصلاحها.

وكان ديفيد بولوك قد استخلص من الاستطلاع الذي قام به أن "الأخبار الجيدة هي أن معظم المسلمين يرفضون الأيديولوجيات الجهادية المتطرفة الأكثر عنفاً. أما الأخبار غير الجيدة جداً فهي أن معظمهم يرفض أيضاً الجهود الرامية إلى إعادة تفسير الإسلام بطريقة معتدلة أو متسامحة أو معاصرة".

وبحسب جيمس زغبي، رئيس مركز زغبي للأبحاث، فإن الشباب العرب يرون أنه "ليس الدين هو ما يجب إصلاحه بل الخطاب الديني".

لكن ماذا عن رأي الخبراء؟ وكيف يختلف عن رأي عموم الناس؟ هذا ما يجيب عنه استطلاع رأي أجرته مؤسسة كارنيغي للخبراء العرب، ضمن برنامج الشرق الأوسط للسلام الدولي، وشمل أكثر من 105 خبراء من البلاد العربية بينهم ناشطين ومفكرين وقادة مجتمع مدني ورواد صناعة وعلماء ووزراء وبرلمانيين سابقين ومستشارين لرؤساء دول المنطقة.

فقد تبيّن أن ستة من كل 10 خبراء يعارضون الحكم الديني في حين يدعو ربعهم تقريباً إلى وجود دور استشاري محدود للمؤسسات الدينية ضمن الدول العربية في مجالات التوجيه الروحي وتعزيز التسامح. ولم يعتبر أيٌّ من الخبراء أن الدين يجب أن يحظى بأي دور مباشر في رسم السياسات الاستراتيجية للسلطات الحاكمة.

كما طالب الخبراء بدور للمؤسسات الدينية في تعزيز التسامح والتعددية، عدا عن إلحاح الكثير منهم على ضرورة إصلاح المؤسسات الدينية.

*الصورة: امرأة مسلمة في وقفة تضامنية مع ضحايا الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".