بقلم علي عبد الأمير:

يجمع كتاب وباحثون عرب على أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت اليوم عاملاً حاسماً في صناعة الرأي العام. ويلفت الباحث والأكاديمي الأردني د. موسى برهومة إلى أن أولئك الذين ذهبوا إلى اعتبار منصات التواصل الاجتماعي "السلطة الخامسة"، كانوا على حق، فيُرجّح أن تزيح الصحافة التقليدية بصفتها "السلطة الرابعة".

ويوضح برهومة في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن التعويل على سلطة وقوة شكيمة وسائل التواصل الاجتماعي، ما كان ليتحقق لولا التأثير الكبير والمباشر الذي تؤديه في خدمة القضايا التي تتصدى لها.

إلى ذلك يعرّف أستاذ الإعلام في جامعة بغداد، د. صادق حسن كاظم، الرأي العام بأنه "رأي غالبية أفراد المجتمع إزاء المسائل التي تؤثر على مصالحهم العامة والخاصة"، موضحاً في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك)، "بما أن الرأي لدى الأفراد يتكون نتيجة التفاعل بين مجموعة من العوامل، يمارس كل منها أثره في تكوين الرأي العام، ومن أهمها النفسية والثقافية وشكل النظام السياسي والأحداث الجارية، بالإضافة إلى العامل الأخطر اليوم وهو وسائل الاتصال وتأتي في مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت ترافق الفرد طوال 24 ساعة مقدمة إليه مختلف المعلومات عن معظم الأحداث".

الأفكار النيرة و... القاتلة؟

ويلفت برهومة الذي يعمل أستاذاً للأدب والإعلام في دولة الإمارات العربية إلى صراع تشهده وسائل الاتصال اليوم، بوصفها "السلطة الخامسة"، فهي "كأي سلطة لها أدوات رحمة ووسائل بطش، ففي الأولى تتعاظم الأفكار النيّرة التي تحض على التآخي والتعايش المشترك في نطاق الإنسانية الفسيح، وفي الثاني يلتمع الشرّ من عيون أولئك الذين يرغبون في تحويل الكون إلى محرقة للأفكار والعقائد والتصوّرات والأجساد".

وبحسب برهومة فالفريق الأول "يجيّر وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة رؤاه على نحو سلمي، ولا يكترث بأن يحشد لأفكاره، وتلك مثلبة يلاحظها المتابعون وينتقدونها". أما الثاني وهو "فريق الويل والثبور وعظائم الأمور، فإنه يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بصفتها منصات للجهاد في سبيل الله، أو في سبيل الفكرة الضيقة المعقّدة التي لا تقبل القسمة على اثنين".

رواد التغيير في مواجهة "الجهاد الإلكتروني"

ويعتقد برهومة أن ثمة اختلال في أداء "رواد التغيير" أمام التعبئة التي يتولاها تيار "الجهاد الإلكتروني"، فيقول "الليبراليون والعلمانيون وروّاد التغيير من رجال ونساء في منظمات المجتمع المدني لا يتحلّون بالدوافع الإيمانية لدى جمهور المنتسبين إلى فضاء اليوتوبيا الدينية، ففي الفريق الثاني ثمة جيوش لما يسمى "الجهاد الإلكتروني". وثمة متخصصون يصلون الليل بالنهار من أجل تعميم الأفكار وحشد الأنصار وتأليب المجتمعات".

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الباحث الأردني أنّه ليس في موقع التبشير بانتصار فريق على آخر، رغم أنّ معالم "النصر" واضحة، يلفت إلى ضرورة "التحذير من سطوة ما كنّا نعتقده خيراً وحضارة وهو يتحوّل إلى وسائل لترويج الأفكار المتزمتة والمتطرفة التي ترغب عبر هذه المنصة الحديثة، تدمير الحداثة، وإعادة المجتمعات إلى عصور ما قبل الحضارة، وعهود الكهف الأول".

التكنولوجيا بين "ناسا" و "داعش"

ويخلص د. برهومة إلى فكرة جوهرية وهي أن التكنولوجيا متاحة للجميع، لأفراد "داعش"، وللعاملين في وكالة الفضاء الشهيرة "ناسا"، لكن العبرة في الاستخدام، فالإسلاميون المتطرفون "يستخدمونها للقتل والإفناء وتعميم الجهل بالدين والدنيا"، أما الآخرون فهم "يريدون سبر عوالم ما وراء المرئي والمتوقع، وجعل الحياة أكثر جمالاً وانفتاحاً وشاعرية. في الثانية ينبلج الخيال من أسره الكوني، في حين أنّ حرّاس العتمة لا خيال لديهم أبداً، وإن توفر فلأجل أن يكشف عن أقبح ما في الخيال من وحشية".

وضع العقل جانباً!

وعن المعلومات التي تطرح عبر مواقع التواصل الإجتماعي، يقول د. صادق حسن كاظم إنّها "قد تأتي ضمن أسلوب دعائي من جهات ذات أهداف وغايات محددة تسعى لبرمجة سلوك الأفراد بالاتجاه الذي تريد، فهي تستخدم مواقع التواصل لخلق رأي عام مؤيد لها مستعينة بالاستمالات ولا سيما العاطفية منها ذات التأثير الواضح على عقل المتلقي خصوصاً شريحة الشباب المندفع".

ومع تفاقم الصراعات التي يعيشها العالم اليوم، حد التصادم متعدد الأشكال، واحتدام الاحتقان الطائفي والمذهبي، فإن أستاذ الإعلام في جامعة بغداد، يخلص إلى القول "كان لا بد للأطراف المتنازعة من الاستعانة بـ"سلاح" مواقع التواصل، لإكمال عملية اختراق العقول وتجنيد أكبر قدر ممكن من المؤيدين للمعركة الإلكترونية الشرسة، فعدد التغريدات الهائل لبعض القضايا، يبيّن لنا حجم الأثر الذي أحدثته هذه المواقع في نفسية المتلقي".

*الصورة: وسائل التواصل الإجتماعي تصوغ الرأي العام العربي/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".