الأردن – بقلم صالح قشطة:

في إطار السعي المتواصل للوقوف على أسباب وآثار التطرف والإرهاب الذي تشهده العديد من دول الإقليم العربي مؤخراً، ولاستشعار تبعاته على مستقبل المنطقة وشعوبها، كان لموقع (إرفع صوتك) حوار مع الخبير والمحلل السياسي د. صبري ربيحات، الوزير السابق لوزارتي الثقافة والتنمية السياسية في الأردن، ورئيس مركز الجنوب والشمال للحوار والتنمية والدراسات.

- ما هو تقييمك لمدى تأثر المنطقة العربية بموجة التطرف والإرهاب الأخيرة؟

لا بد من التفريق بين التطرف والإرهاب، فالتطرف هو اتخاذ موقف بعيد عن أخذ الآخر بعين الاعتبار، بشكل يلغي الآخر، والإرهاب هو تحويل هذا التجاهل والتفكير إلى فعل. وفي الحقيقة فقد وصلنا إلى المرحلتين. وصلنا إلى التطرف ومن ثم تحولنا إلى سلوك إرهابي موجود ومنتشر، لدرجة أنه أصبح سمة من سمات الإقليم، وسمة من سمات ثقافتنا، كما ينظر لها الآخر. وهذا مقلق ومخيف ويشكل تحدياً للدولة وللمجتمع والعالم.

- إلى أين تظن أن هذه الموجة ستأخذ المنطقة مستقبلاً؟

لقد ألحقت ضرراً كبيراً جداً بمنظومة القيم، ونظرتنا ونظرة الإنسان للحياة، وبدأت تفتح أذهاننا على تساؤلات كبيرة حول الكون والوجود ورسالة الإنسان، لأن إقبال الشخص على قتل النفس وقتل الآخرين بالمعية ظاهرة جديدة لم تألفها البشرية سابقاً. وما يحتاج إلى إجابة هو ما الذي أوصل الناس إلى هذا المدى؟ أظن أن المعاناة واليأس اللذين بدآ يهيمنان على الإنسان في هذه المنطقة نتيجة للظلم ونتيجة للاستبداد، وتطرف الأنظمة أحياناً، هو ما دفع بالناس إلى اتخاذ هذه المسارات.

- وكيف ترى استجابة الدول والحكومات العربية حيال كل ما تشهده المنطقة من تطرف وإرهاب؟

تجاوب الدول يقتصر على الإدانة والتجريم، دون دراسة الأسباب والعوامل بشكلٍ كافٍ. والتطرف لا يقتصر فقط على الأفراد، أحياناً هناك تطرف على مستوى الحكومات والحكام أيضاً، وهناك تطرف أهالي وأسر، وتطرف مجتمعات تدير حياة الناس. فلا بد أن ننظر إلى الظاهرة بكل مكوناتها وكل مفرداتها، التجريم والإدانة لا يحلان المشكلة، والاستجابة العنيفة لا تحل المشكلة وربما تصعدها بشكل أكبر!

لا بد من بناء نظام اجتماعي سياسي ثقافي، يحترم إنسانية الإنسان وكرامته، ويوجِد منافذ واضحة ومناسبة للتنفيس عن الطاقة واستثمار الوقت، وهذا غير موجود في عالمنا، وغياب العدالة لا بد من إيجاد حل له.

موضوعات متعلقة:

كيف قرأ نجيب محفوظ علاقة الدين بالتطرّف والإرهاب؟

“لعب الغلمان”… استغلال جنسي للأطفال يسهّل عمل طالبان

- هل ترى الحكومات والأنظمة العربية مؤهلة لمجابهة هذه الموجة وأخذ زمام الأمور مرة أخرى؟

أنا غير متفائل بقدرة الحكومات العربية على القيام بأي شيء، لأنها تستخدم نفس الأدوات ونفس الخطاب، وتعتقد بأن المشكلة والسبب والعلة موجودة في أشخاص دون أن تنظر إلى ممارساتها، فالمجتمع وعلاقات مكوناته هي التي تنتج الحالة دائماً. وإذا لم تكن النظرة شمولية وتأخذ بعين الاعتبار إحداث تغيير في مواقف كل الأطراف، فلن يحدث أي تغيير، وسيتحول الأمر من حالة راكدة إلى حالة صراع بين النظم في الفعل والفعل المعاكس بشكل يستمر إلى ما لا نهاية.

- ما هي النتائج التي وصلتم لها من خلال دراساتكم في مركز جنوب وشمال للحوار والتنمية؟

مبكراً وقبل الربيع العربي قمنا بدراسة حول الشباب والسلطة، وتنبأنا مبكراً أن هناك شيء ما سيحدث في العالم العربي، لأن اتجاهات الناس والشباب بالذات نحو السلطة لم تكن كما تعتقد السلطة.

ومؤخراً بعد مرحلة الربيع العربي عملنا على تطوير مقياس للتعرف على النزعة للتطرف والإرهاب مبكراً، أي كيف يمكن أن تستدل من خلال النظام المدرسي والجامعي على وجود بذور التطرف، وهي مرتبطة بمدى انسجام وقدرة الفرد على التكيف مع البرامج الموجودة ومع التيار الثقافي الإنساني الذي يشترك فيه جميع الناس.

بعض الأشخاص الذين لا يقبلون على الموسيقى، والذين يقفون موقفاً معادياً من الجماعات الأخرى، والذين ينسحبون من الحياة والأنشطة العامة، وبعض الأشخاص الذين يدينون الفن والتمثيل والرسم والتجسيد والموسيقى، هؤلاء الأشخاص يبدرون إشارات مبكرة إلى أنه لديهم نزعة للتطرف. ومع كل أسف المعالجات التربوية التي أدخلناها إلى المناهج هي أن نحذف آية هنا أو حديث هناك، وألا نشير إلى إمام هنا وآخر هناك، ليست هذه هي المشكلة، المشكلة هي كيف يمكن أن نغني مناهجنا بمواد جديدة وبموضوعات تتناول الشخصية المتكاملة، كأن يكون لدينا فن، موسيقى، مسرح ورعاية للإبداع، وعندها سنتكشف الأشخاص الذين سيقبلون على ذلك أو ينسحبون من المشاركة.

- من منظورك الخاص، كيف ترى مستقبل الفرد في المنطقة؟

حتى هذه اللحظة أرى أن مستقبل الفرد في هذه المنطقة قاتم، وقاتم جداً، لأننا لو نظرنا إلى المستوى والسرعة التي يتحرك بها العالم نحو إدارته فسنجد أننا نتأخر في اللحظة التي تتقدم بها جميع أقاليم العالم، فنحن حولنا دمار وتدمير، أو خوف وقلق وتوتر، وما أراه في عالمنا العربي اليوم هو أن معظم الأنظمة العربية سقطت في يد الحكام، بمعنى أنه لا مستقبل لهذه المنطقة في حال استمرت على هذه الوتيرة.

*الصورة: د. صبري ربيحات/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".