الجزائر - بقلم أميل عمراوي:

"أفضّل أن أموت بسبب أفكاري على أن أموت على فراش المرض أو بسبب الشيخوخة".

الكلمات للمغني الراحل معطوب الوناس من منطقة القبائل في الجزائر. كان معروفاً برفضه للتطرف والإرهاب ومعارضته للنظام الجزائري. اغتيل على أيدي إرهابيين سنة 1998.

يقول معطوب في الفصل الرابع من كتابه ( المتمرد) "إننا مهددون في وجودنا وحياتنا وكرامتنا وحريتنا، نريد أن نعيش ونفكر ونكتب ونغني".

مواقف الرجل.. سيرة جيل كامل

توفي الوناس مخلفاً رصيداً من الأغاني التي تنتقد استغلال الدين في السياسة، وله أغانٍ أثارت العديد من ردات الفعل مثل أغنية حملت عنوان (الله أكبر) وأغنية (أما الرصاص الذي قتل لم يقتلني) في إشارة لنجاته من محاولة القتل إبان مظاهرات 1988.

ويؤكد المنظمون لفعاليات استذكار وفاته نهاية حزيران/يونيو لموقع (إرفع صوتك) أن المرحوم من بين الفنانين القلائل الذين لم يرضخوا لاستبداد النظام سنوات الثمانينيات ثم للمتطرفين خلال العشرية السوداء.

"لقد اختطف المرحوم من طرف الإرهابيين سنة 1994 وعذب بسبب أفكاره لأنه كان مؤمنا بها فعلاً. لم يكن ينافق أحداً وهو الأمر الذي جعلنا اليوم نعمل جاهدين على الحفاظ على إرثه الفكري الذي تركه لنا بعد اغتياله"، يقول محند راشدي الذي ينحدر من تيزي وزو بمنطقة القبائل.

أضحت قضية اغتيال الفنان الوناس معطوب قضية رأي عام، لما كان له من محبين عبر كامل التراب الوطني، فقد تمكن هذا الفنان من زرع الثقة في صفوف الشباب أيام كان الإرهابيون ينشطون من أجل زرع الفتنة واليأس في الشعب الجزائري، كما تقول سامية لحلو صاحبة مكتب محاماة في العاصمة الجزائر.

موضوعات متعلقة:

كيف قرأ نجيب محفوظ علاقة الدين بالتطرّف والإرهاب؟

رسامون ومصورون في مواجهة الإرهاب: #بغداد_بخير

يمكن للمغني أن يؤسس للفكر أكثر من السياسي 

في إجابته حول سؤال لموقع (ارفع صوتك) يتعلق بإمكانية أن تصنع الأغنية الملتزمة  بقضية ما الرأي العام، أوضح الدكتور نجاح مبارك، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة وهران (غربي الجزائر)، أنه بإمكان أي فرد أو مؤسسة أن تصنع أو تساهم في صنع الرأي العام شريطة أن تستجيب لتطلعات المجتمع الذي تنتمي إليه.

"لا بد من التأكيد على نقطة جوهرية وهي أن صناعة الرأي العام لا تستجيب لقوانين حتمية، بل مرتبطة بجملة من الشروط ومنها الالتزام المستمر والثقة المتبادلة بين صانع الرأي والمتلقي. وهو ما توفر في اعتقادي بهذا الرمز، نعم يمكن للمغني أن يؤسس للفكر أكثر من السياسي" .

محبة الشباب

الصحافي مصطفى معزوزي، المعروف بالجزائر بنشاطه لأجل الاعتراف بالهوية الأمازيغية بالجزائر، يرى أن الشيء الذي جعل الشباب يعتنق فكر وتوجه معطوب الوناس هو تمرده ومناهضته للسلطة المستبدة، وفكره الداعي لإبعاد الدين عن الدولة والعودة للأصول الجزائرية الصحيحة وهي الأمازيغية ببعدها الثقافي وليس اللغوي فقط.

"لقد أحب الشباب في الوناس معطوب شخصيته المتمردة، إضافة لكون أغانيه كانت تعالج الوضع الحقيقي للجزائر ثم إنه كان يستعمل أسلوباً بسيطاً بفهمه الجميع ممن يتقن اللغة الأمازيغية، في حين تجد آخرين لا يمتون للمجتمع بصلة ويحاولون ترجمة همومه عبر أغانيهم".

يشار إلى أن الوناس تعرض لإطلاق نار في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر سنة 1988، دخل على إثرها المستشفى واستخرجت منه خمس رصاصات.

قتل الوناس يوم 25 حزيران/يونيو 1998، وخرج الآلاف من الشباب بمنطقة القبائل للتعبير عن سخطهم لما حدث متهمين النظام الجزائري بقتل رمز جيل كامل، لتشهد المنطقة أحداث عنف استمرت لأسبوع. ولكن "الجماعة الإسلامية المسلحة" أعلنت مسؤوليتها عن اغتيال الوناس بعد خمسة أيام من مقتله.

*الصورة: "لقد أحب الشباب في الوناس معطوب شخصيته المتمردة"/عن فيسبوك

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".