بقلم حسن عبّاس:

"شغلنا الإرهاب حتى كاد يغطّي على جميع مشاكلنا. آراؤه آية في الغرابة، وسلوكه لا مثيل له في الوحشية، والخسائر التي أنزلها باقتصادنا ثقيلة فادحة لا تعوَّض في الزمن القصير، وبرغم ذلك كله فهو ليس مشكلة بلا حل".

هذا ما قاله الكاتب والروائي نجيب محفوظ في مقالة كتبها بعنوان "متى نقضي حقاً على الإرهاب؟" في زاويته الأسبوعية التي حملت اسم "وجهة نظر" في صحيفة الأهرام المصرية.

هذه المقالة ومقالات أخرى كتبها محفوظ بين عامي 1986 و1994 وتتحدث عن علاقة الدين بالتطرّف جُمعت في كتاب بعنوان "حول الدين والتطرّف". ومن المفيد الاطلاع على أبرز ما تضمنته.

قيم الإسلام الحقيقية

الإسلام كما يراه محفوظ هو دين "يوحّد في رؤيته بين البشر، لا يفرّق بين فرد وآخر بسبب عنصر أو لون أو عصبية أو طبقة، فالمسلم حقاً مَن يحترم الإنسان لإنسانيته وقيمه وتقواه وسلوكه"، كما أنه "يحترم جميع الأديان، ويهب كل ضمير حريته في الاختيار، فلا إكراه في الدين".

ولكن الكاتب العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل للآداب يرى أننا "نفتقد تلك القيم في حياتنا اليومية"، أو لا نجدها حاضرة بالشكل الكافي. ولذلك أسباب كثيرة يتطرّق إليها في مقالاته.

من أين أتى الإرهاب؟

قبل عقود من تحوّل الإرهاب إلى قضية العالم الأولى، كتب نجيب محفوظ عنه برؤية ثاقبة لا يمتلكها كثيرون اليوم.

وربط محفوظ بين "التطرّف الديني الإرهابي" وبين أسباب كثيرة مثل الفتاوى الخاطئة، والأزمة الاقتصادية، والفساد، والهزائم، والغلاء، والبطالة، والظلم، والمحسوبية، وسوء الخدمات، واضطراب الإدارة، والفراغ السياسي، والحكم الشمولي، والاستهانة بحقوق الإنسان.

واعتبر أن "الإنسان لا يستجيب لكتب التطرف إلا إذا كان مهيّئاً لذلك نفسياً واجتماعياً" فـ"الآراء المتطرّفة والدعوات الإرهابية قد تجد صدًى في الأنفس التي أرهقها الفقر واليأس والشعور بالظلم".

إلا أنه يركّز على نشأة الإرهاب بسبب "انسداد القنوات الشرعية الموصلة للسلطة، وما ينتج عن ذلك من إحباط، وضيق لجيل صاعد يتطلع إلى حقوقه في الحياة"، وربما لأن هذا العامل كان غائباً عن تحليلات معاصريه. ومن هنا يدعو إلى ضرورة "أن يحظى الناس بحق تكوين الأحزاب، وإنشاء الصحف بدون قيد أو شرط".

موضوعات متعلقة:

المغني الجزائري معطوب الوناس.. سيرة تحدٍ

هل الإرهاب صناعة عربية؟

دور مطلوب من التربية الدينية

أمام هذا الواقع، يلقي محفوظ على التربية الدينية دور تجسيد الدين "روحاً ومبادئ في الفرد".

فالمبادئ الدينية التي يجب أن تغرسها التربية الدينية في عقل المسلم هي مبدأ الشورى في الحكم، وتقديس الإنسان والحرية، والمساواة بين البشر بدون اعتبار لعنصر أو لون، والتسامح الديني.

ويشير إلى أهمية "عرض تاريخ الحضارات لإيضاح ما قدمه كل شعب للإنسانية من إنجازات روحية ومادية، وليكون تنوع الحضارات مدخلاً للتفاهم، وتبادل التقدير بدلاً من الجفوة وسوء الظن".

عتب على الدعاة

يقدّم محفوظ ملاحظة ثاقبة حين يبدي دهشته من نمو التطرّف مع أن الدين الحقيقي، أي الإسلام المعتدل والمنفتح، يملك مؤسسة الأزهر ومعاهدها والآلاف من الأساتذة والدعاة، ووسائل التربية والاتصال، من مدارس ومساجد وإذاعة وتلفزيون، في حين أن التيارات المنحرفة لا حيلة لها إلا الدعوة السرية والوسائل المباشرة المحدودة.

من هنا، يستنتج أن "العبرة ليست بالكم، ولكنها بالكيف ونوعية الرجال"، موجّهاً نقداً مهذّباً لأهلية رجال الدين.

فالدعاة برأيه "أقوى تأثيراً في النفوس، وأسرعهم نفاذاً إلى القلوب" بحكم طبيعة رسالتهم. ولذلك يدعو إلى "الارتقاء بإعدادهم إلى أعلى الدرجات العلمية والثقافية حتى يصبحوا أهلاً لحمل الأمانة في هذا العصر بالغ التعقيد".

رفض لنظريات المؤامرة

يتساءل محفوظ "كيف ومتى ينحرف التطرّف إلى الإرهاب؟". ويرفض أن يعزو سببه إلى دولة خارجية. فبرأيه، "الإرهاب كظاهرة لا تستطيع أي دولة خارجية أن تخلقه، وغاية ما تستطيعه الدولة الخارجية هو أن تستغل وجوده فتمده بما يحتاج إليه من مال أو سلاح خدمةً لأغراضها".

من هنا، يقول إنه "علينا أن نبحث عن أسباب الإرهاب في الداخل قبل كل شيء".

وليس بعيداً عن ذلك، يطرح محفوظ مسألة نظرة الغرب غير المريحة للإسلام والمسلمين. وبدلاً من "التذمّر والاحتجاج على الغرب"، يقترح "أن ننقد أنفسنا ونصلحها، ونصلح دنيانا، فيقبل علينا الاحترام بدون شكوى أو دعاية". فبرأيه سبب هذه النظرة هو أن "بعض الشعوب الإسلامية تُحكم بطريقة بعيدة عن روح العصر، وحقوق الإنسان بها تتعرض للاستهانة والعدوان، والإدارة فيها تتسم بالعجز والفساد، بالإضافة إلى تأخرها في مجالات العلم والثقافة".

تكبير خطر الإرهاب

يحلل محفوظ الخطاب الذي يظهر كلما وقعت جريمة إرهابية، إذ يجري الحديث عن تأثيره السلبي على الاستقرار "والنتيجة المحتومة لذلك أن يتعرّض الاستقرار لخطر الإرهاب، فنحقق للعدو ما يرمي إليه بأيدينا وصراخنا".

وبجرأة كبيرة، يتهم "السياسة" بأنها "تضفي عليه بريقاً خاصاً" لتبرير فشلها. بينما الحقيقة، برأي محفوظ، هي أن "الاستقرار الذي تقلقه جريمة وهم لا استقرار، فالاستقرار حضارة، الاستقرار سيادة قانون، الاستقرار احترام لحقوق الإنسان، الاستقرار عمل وإنتاج... وهو لا يهتز ولا لسلسلة من الجرائم".

*الصورة: نجيب محفوظ/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".