عامل في اليمن/إرفع صوتك

صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

بعد نحو 14 شهراً من الحرب الدائرة في اليمن، لم يعد مثيراً للاستغراب أن تجد هنا في العاصمة صنعاء، من يمتهن بيع الحطب كتجارة رائجة، في ظل الندرة الحادة بإمدادات الوقود والغاز المنزلي وارتفاع أسعاره إلى مستويات خيالية.

في سوق نُقم المركزي شرقي العاصمة اليمنية، تتكوم عشرات الحزم من قطع الخشب المعدة كحطب لاستخدامها في عملية الطهي المنزلي، حيث يجلس رجل خمسيني في انتظار زبائنه الذين غالباً هم من ذوي الدخل المحدود.

انتقلت لبيع الحطب

يقول مطر علي ناجي، الذي يعمل بائعاً للحطب في السوق، إنّه يحقق أرباحاً تكفيه وأسرته إلى جانب راتبه التقاعدي.

ويتابع ناجي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "تقاعدتُ من عملي في وزارة الأشغال العامة والطرق قبل نحو عام، وانتقلت مباشرة لبيع الحطب (يتم جلبها من المناطق الريفية المحيطة بصنعاء)".

ولفت إلى أنّه كلما ارتفع سعر الغاز المنزلي أو انعدم، فهو يشهد إقبالاً كبيراً لشراء الحطب. "في الغالب أكسب يومياً 2000 ريال يمني (ما يعادل ستة دولارات أميركية ونصف)".

وفي أعقاب اجتياح الحوثيين وحلفائهم للعاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، ازدهرت تجارة الحطب على نحو واسع، جراء عجز السلطات عن تغطية احتياجات السوق المحلية من مادة الغاز المنزلي ليرتفع سعر الاسطوانة في السوق السوداء إلى نحو عشرة أضعاف، من 1500 ريال (5 دولارات) إلى نحو 15 ألف ريال يمني (50 دولاراً) في بعض الأحيان.

ودفعت هذه الظروف شريحة واسعة من اليمنيين للعودة إلى استخدام الطرق البدائية في الحصول على النار لطهي target="_blank">الطعام.

ثلاجات تبريد

على أرصفة عدد من شوارع صنعاء ومدن يمنية أخرى، تنتشر هذه الأيام بشكل لافت ثلاجات تبريد، حيث بإمكان أي شخص الحصول على قطعة ثلج مقابل مبلغ من المال.

تجارة الثلج، صارت واحدة من الأنشطة المدرة للربح الوفير، حيث تلقى رواجاً كبيراً، خصوصاً في شهر رمضان، في ظل هذه الحرب التي تعصف باليمن.

أنا محظوظ

يؤكد حمزة محمد، وهو طالب في الصف الأول الثانوي، أن استمرار انقطاع الطاقة العمومية (منذ نيسان/أبريل 2015)، ورغبته في مساعدة أسرته، دفعته للعمل في بيع قطع الثلج للمواطنين.

ويمتلك حمزة ثلاجة صغيرة في أحد شوارع صنعاء، ويكسب منها مالاً وفيراً.

"منذ عام ونصف أبيع ثلج، أنا محظوظ لأن الكهرباء ما زالت منقطعة، لأنني أعمل وأحقق أرباحاً لا تقل عن 1800 ريال يومياً (7 دولارات)، أساعد بها والدي في نفقات أسرتنا"، يقول حمزة، 19 عاماً، لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف الشاب الطموح، بصوت لا يخفي فرحته "أنا سعيد لكوني استطعت أن أجمع بين دراستي وهذا العمل".

محل لشحن الجوالات

على مسافة غير بعيدة عن المكان في حي القاع وسط صنعاء، فتح ماجد علي، 26 عاماً، محلاً صغيراً زوده بطاقة شمسية لشحن هواتف المواطنين بمقابل مادي زهيد.

وقال ماجد لموقع (إرفع صوتك) إنّه منذ شهر مايو (أيار) 2015، أسّس هذا المشروع الذي كلفه قرابة 100 ألف ريال، مقابل تأسيس الكشك (متر ونصف مربع) وشراء لوح شمسي 150 وات وبطارية 100 وات وأيضاً جهاز محول من طاقة شمسية إلى طاقة كهربائية".

ظروف صعبة

مرّ ماجد، وهو أب لطفلين، بظروف صعبة منذ تسريحه بداية الحرب من عمله في شركة كوكاكولا (مدير مبيعات بمنطقة صنعاء)، حيث يقول إنه كان يتقاضى حوالى 250 ألف ريال (833 دولاراً) شهرياً.

ويعيل ماجد، إلى جانب أسرته، شقيقته الأرملة وطفليها. يقول لموقع (إرفع صوتك) "اضطررت لنقل أسرتي (زوجتي وأطفالي ووالدتي) إلى قريتي في الصلو بتعز نهاية شهر مارس (آذار) 2015.. بدأت بتأسيس عربة لبيع الخضار وعندما وجدت أن الدخل لا يكفي، فكرت بمشروع الطاقة الشمسية. ورغم أن الدخل قليل لكن الحمد لله استطعت إعالة أسرتي في الريف".

وأضاف ماجد أنّه أنشأ المشروع لأن الناس تريد أن تشحن هواتفها، وأيضاً بسبب حاجته لمصدر رزق بديل لعمله. "أعمل هنا حوالى 14 ساعة يومياً".

وتسببت الحرب بتوقف النشاط الصناعي بنسبة 75 في المئة، وفقدان 80 في المئة من العاملين في القطاع الخاص لوظائفهم، حسب الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية.

قصة شقيقه في الجزائر

ويقول الشاب العشريني إن الحرب الدائرة في اليمن دفع ثمنها هو وأسرته مثل ملايين اليمنيين. "توقفت عن إرسال مصاريف لشقيقي الذي يدرس بكالوريوس في الجزائر منذ عام 2012 تخصص هندسة. الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تول الشباب أي اهتمام للأسف ولم تستثمر طاقاتهم. أخي مثلاً سافر للدراسة بالجزائر على حسابي في السنة الأولى كمنحة خاصة. سعيت له لاحقاً أثناء حكومة خالد بحاح لكي يحصل على منحة مالية حكومية، غير أن استقالة الحكومة آنذاك عرقلت المهمة. أخي الآن أخبرني أنه يأكل وجبتين في اليوم وفقط"، يضيف ماجد.

ويتابع "أخي مبدع ومتفوق على زملائه وللأسف الحكومة لا تهتم به وأمثاله. أصبح يجيد اللغات الفرنسية والإنجليزية والتركية إلى جانب لغته الأم العربية. أخشى أن يتوقف عن الدراسة بسبب ظروفه".

*الصور: الحرب في اليمن تخلّف مهن جديدة/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".