بغداد – بقلم دعاء يوسف:

"مآسٍ إنسانية واجتماعية". هذه كانت أولى العبارات التي تحدثت بها إخلاص جابر عن معاناتها وغيرها في مخيمات النازحين بسبب المشاكل الصحية والأحوال المعيشية البائسة.

بيع بعض المساعدات

قصة إخلاص، 44 عاماً، تشبه قصص مئات النازحين من محافظة الأنبار. كانت تعيش بأمان مع زوجها وأطفالها الأربعة. وفي عام 2014 بسبب سيطرة داعش على مدينتهم، فرّ زوجها إلى كركوك بعدما بدأ التنظيم بالتصفيات الجسدية لكل منتسب أمني، وبقيت هي وأطفالها على أمل اللحاق به، لكنها بعد خمسة أشهر من رحيله علمت بأنه قتل.

وتضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "نعتمد بشكل كبير على المساعدات التي تقدمها بعض المنظمات غير الحكومية".

إخلاص التي نزحت من محافظة الأنبار في العام 2015 إلى بغداد ومكثت في مخيم الغزالية الذي أغلب الساكنين فيه من النساء والأطفال، تقول "أحصل على المال من جراء بيع بعض المساعدات التي يمكننا الاستغناء عنها لتوفير بعض الحاجيات الأساسية المهمة".

زوجتي مصابة

وتعاني مخيمات النازحين عموماً من نقص حاد في توفير المياه الصالحة للشرب والغسيل بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهرباء المستمر، وهو ما يسهم في انتشار الأمراض. يقول النازح عمر عثمان، 29 عاماً، إنّ زوجته أصيبت بعد أشهر قليلة من السكن في مخيم الغزالية بمرض الجرب.

كما يصف عمر الذي اضطر في العام 2015 إلى النزوح من منزله في الرمادي برفقة زوجته وطفله الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أعوام بسبب سيطرة تنظيم داعش، الأوضاع التي يعشيها في المخيم بأنها "قاسية" ويقول إنّ "ما يصل من مساعدات إنسانية وصحية غير كافية".

ويضيف في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "زوجتي مصابة بالمرض منذ أشهر طويلة وحتى الآن لم تشف. والسبب هو أن استخدام المراهم هي كل ما يمكن أنّ يوفره المركز الصحي الخاص بالمخيم لعلاج حالتها".

هذا الأمر بنظر عمر لا يكفي لشفاء زوجته نهائياً. لذا فهو بحاجة للمال أكثر من حاجته لمساعدات تمثلت أغلبها بأغطية وفرش وبعض المواد الغذائية.

بحاجة لتدخين سيجارة

ويعاني كبار السن من عدم توفر الرعاية المناسبة لهم رغم الجهود التي تبذلها بعض المنظمات غير حكومية. فالزائر لمخيم التكية الكسنزانية في بغداد سيلاحظ كيف يجلس كبار السن أمام خيمهم ونظرات الحزن في عيونهم.

يقول صبيح علوان، 79 عاماً، إنّه  بحاجة لتدخين سيجارة، لكنه لا يستطيع توفير ثمنها.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "المساعدات لا توفر كل ما نريده أو نحتاجه، لا توجد عدالة في توزيعها".

صبيح الذي نزح في العام 2015 من مدينة صلاح الدين برفقة زوجة ابنه الذي اختطف بعد سيطرة داعش على المدينة، يتمنى أنّ يجد عملاً مناسباً يوفر ما يحتاجه أحفاده الستة.

سوق الشورجة

وتتزايد المعاناة داخل مخيمات النازحين، مع ارتفاع درجات حرارة الطقس إذ أنّ أغلبهم يعيشون داخل خيم في العراء لا تقيهم من أشعة الشمس الحارقة.

ويقول الناشط المدني زيودي العراقي إنّ المساعدات التي تصل للنازحين شحيحة جداً.

ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "لو تجولت في سوق بيع الجملة في الشورجة ستجد كميات كبيرة من المساعدات الدولية التي من المفترض أن يتم توزيعها للنازحين".

ويتابع زيودي "عندما تسأل كيف وصلت إلى هذه المحال التي تقوم بتجهيز أسواق العراق يقولون دون الكشف عن أسماء المتورطين إنّ هناك من يتكفل بتوفير مساعدات النازحين مقابل ثمن".

زيودي يؤكد أنّ "النازحين من مدينة الفلوجة الآن يعيشون ظروفاً كارثية بسبب قلة المساعدات الإنسانية والصحية"، لافتاً إلى أنّ أغلب المعونات والمساعدات التي يعتمد عليها النازحين هي التي تصلهم من المتبرعين من الناس".

صعوبات عديدة

وتبلغ أعداد النازحين من المحافظات التي سيطر عليها تنظيم داعش منذ العام 2014 وحتى أكثر من 3.3 مليون نازح، حسب معاون مدير دائرة الهجرة في وزارة الهجرة ستار نوروز.

ويضيف نوروز في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ "الوزارة تواجه صعوبات عديدة في توفير كل ما يحتاجه النازحين بسبب أعدادهم الهائلة والتقشف المالي الذي تمر به البلاد".

*الصورة: نازحون في العراق/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".