بقلم حسن عبّاس:

"الإنفاق على قطاع التعليم هو استثمار يمكن أن يؤدي إلى النمو الاقتصادي، تحسين الإنتاجية، المساهمة في تنمية الفرد والمجتمع وتقليص اللامساواة في المجتمع".

هذه خلاصة تتبنّاها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، داعيةً إلى تخصيص موارد إضافية من أجل تطوير التعليم في البلاد.

ولكن معظم الدول العربية تفضّل سلوك طريق مغاير، ألا وهو الإنفاق على الجيوش والتسلّح أكثر من الإنفاق على التعليم.

العسكر أو التعليم؟

تنفق معظم الدول العربية على القطاع العسكري أكثر مما تنفق على التعليم، وهو ما يظهر من الجدول التالي.

موضوعات متعلقة:

بينها 12 من السعودية.. هذه أغنى 15 عائلة عربية عام 2016

مغاربة: لدينا بحران ولا نستفيد من ثروتنا السمكية

ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن معظم المبالغ التي تُنفق على التعليم تذهب إلى دفع أجور الموظفين من الأساتذة والمعلّمين والمدرّسين، وأن نسبة ضئيلة جداً تذهب إلى مجال البحث العلمي وتطوير المناهج، يمكن للصورة أن تصير قاتمة أكثر بكثير.

تنفق معظم الدول العربية على القطاع العسكري أكثر مما تنفق على التعليم

في الجدول السابق، أخذنا أرقام الإنفاق العسكري للدول بشكل أساسي من التقديرات التي يضعها سنوياً معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، وأخذنا أحدث المعطيات عن عام 2015، إلا في حالة الكويت حيث أخذنا تقدير المركز عن عام 2014 لأنه لا يقدّم معطيات عن عام 2015.

وفي بعض الحالات التي لا يعطي المركز تقديرات عنها، وهي حالات السودان وفلسطين والجزائر وتونس، استندنا إلى ما يرد في ميزانياتها من مبالغ مخصصة لوزارة الدفاع.

أما أرقام الإنفاق على التعليم فقد أخذنا الأرقام الخاصة بمصر، السودان، الجزائر، المغرب، تونس، فلسطين والعراق من الأرقام المخصصة في ميزانياتها لوزارات التربية والتعليم، مع العلم أن الإنفاق على هذا القطاع لا يتغيّر كثيراً بين سنة وأخرى.

وأخذنا الأرقام الباقية من تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وهي تقدّم نسبة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي. وأخذنا أرقام الناتج المحلي الإجمالي من تقديرات البنك الدولي. ومنهما توصلنا إلى الأرقام الواردة في الجدول.

أولويات غير مناسبة

ويربط اقتصاديون كثيرون بين زيادة الإنفاق على التسلّح وقلة الإنفاق على التقديمات الاجتماعية وضعف الاستثمار في التعليم وبين الفقر المتفشي في أغلب الدول العربية. ويعتبرون أن هذا انعكاس لمشكلة سوء تحديد السلطات العربية للأولويات.

ولكن يشير الباحث والمحلل المغربي في العلوم السياسية عبد الرحيم العلام إلى أنه "لا يمكن الحديث عن علاقة تناسبية بين ارتفاع نفقات التسليح وارتفاع معدلات الفقر في الدول العربية. ذلك أنّ عدة دول غربية تنفق الأموال الطائلة على هذا الجانب، في حين قد توجد فيها نسبة فقر متدنية".

وقد يصحّ ذلك على بعض دول الخليج التي يمكنها أن تنفق على التسلّح وعلى قطاعات أخرى في الوقت نفسه، خاصة حين كانت موازناتها تحقق فوائض. ولكن الحال ليس كذلك في معظم الدول العربية حيث الموارد قليلة وكل دولار يُنفق في مجال ما سيكون على حساب مجال آخر.

وقال العلام لموقع "إرفع صوتك" إن "الدولة التي لا تهدّدها أخطار كبيرة ليست بحاجة إلى إنفاق أموال كثيرة على التسلّح". وعن بلده المغرب، اعتبر أنه "كان الأجدر الإنفاق على قطاعات أخرى تحقق تنمية في البلاد مثل القطاع الصحي والتعليم وباقي القطاعات الحيوية الأخرى".

مخاطر التعليم المتدني

من جانبه، رأى الباحث المصري في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن أن البيئة الفقيرة تكون أكثر عرضةً لتقبّل خطاب الجماعات المتطرفة لأنها أساساً "تتلقّى أنواعاً متدنية من التعليم لا تؤهل صاحبها للتفكير العلمي فلا يستطيع نقد وتفنيد ورفض أفكار التنظيمات الدينية".

من هنا دعا إلى إقامة "نظام تعليمي يخاطب العقل ولا يركّز على الذاكرة وخطاب ديني إصلاحي تشارك في صوغه لا فقط مؤسسات الدولة بل أيضاً مؤسسات المجتمع المدني".

الصورة: طالبات أمام جامعة البصرة/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".