بقلم رفقة رعد خليل:

وسط كل الضغوطات ووسط الحرب على الإرهاب، ما زال داعش يحاول جذب أنظار الإعلام إليه عبر حدث غريب فيه ما يخدم وجوده وبهرجته الإعلامية. حيث أعلن إعلام داعش تخرج الدفعة الأولى من معهد خاص للعلوم الشرعية، تحت إشراف ما يسميه التنظيم (ديوان الدعوة والمساجد) وسط حفل تكريمي حرص داعش على تسويقه عبر الإنترنت.

الجدير بالذكر أن هذا الديوان هو المسؤول عن إعداد جيل داعشي جديد، والمحافظة على البنية الفكرية التكفيرية داخل التنظيم. وذلك واضح من خلال أعمال هذا الديوان بين الدورات العسكرية للصبية وإعداد الأطفال وتهيئتهم لمهمات داخل التنظيم وخارجه، معتمداً على أساليب متعددة في تعليمهم وجذبهم من خلال زيارة المدارس أو أماكن تجمع الأطفال لإقامة "المسابقات" وتوزيع "الجوائز" عليهم لزرع وعي تكفيري فيهم مرتكز على الدين والجهاد واتباع الخليفة.

ما يمكن أن نفهمه من خلال هذا الإعلان أن داعش يحاول التأكيد إعلاميا على وجوده ووجود دولته. فرغم الحرب الشرسة والخسارة الكبيرة التي لحقت به، فهو ما زال إلى اليوم يتصور امتلاكه لدولة حسب اعتقاده سوف تستمر، وهو يدافع عن بقائه بطرق عسكرية مباشرة وبطرق غير مباشرة إعلاميا، وفق هذه الأحداث الفرعية.

موضوعات متعلقة:

لبنان: أربعة تفجيرات نفذها انتحاريون والقبض على خامس

لجنة التحقيق تفرج عن 14 ألف محتجز في الفلوجة

تخرج هؤلاء يعني أنهم انتهوا من مرحلة الإعداد العقائدي والجسدي العسكري، لينتقلوا إلى مناصبهم الإدارية والعمل فيها. فإن عمل المعهد وغايته تختلف بشكل أساسي عن الدورات التأهيلية السابقة التي أقامها التنظيم في الموصل والرقة لإعداد مقاتلين على الجبهات أو إعداد عيون له أو انغماسيين. وكل هذا يعكس توجه التنظيم الجديد وتركيزه على الجانب الإداري والفكري، أي على التأسيس الأيديولوجي للأفراد المنتمين لداعش. ولهذا أهمية تخطيطية في المستقبل في حالة فشل التنظيم في المحافظة على وجوده الميداني والعسكري، فهو يريد الاستمرار بالعمل ضمن خلاياه فكرياً وعقائدياً وتكفيرياً بشكل شبكي، خصوصاً بعد أن نفهم أن الغاية الأساسية لإنشاء المعهد على لسان أحد مؤسسيه هو (تكوين صرح علمي) أي مؤسسة أكاديمية لنشر التكفير على شاكلة المؤسسة الأكاديمية التي أنتجت داعش.

والانتقائية واضحة ضمن أسس هذا المعهد لأن أعداد الطلاب المنتمين له محدودة. فالتركيز يكون على ما يسميه التنظيم بكفاءتهم العلمية أو ربما ولاءهم له. وإذا ما قارنا أعدادهم بأعداد المتخرجين من دورات أخرى مثل المتخرجين من مشروع (أشبال الخلافة) المعد من قبل نفس (ديوان الدعوة والمساجد) الذي ركز على إعداد وتخريج صبية دون 18 من العمر، حيث قدرت أعدادهم ب (4500) طفل من مناطق مختلفة داخل العراق.

ما يثير الانتباه أن الدراسة تستغرق في المعهد 10 أشهر فقط. وتتضمن دراسة موادٍ متنوعة بين العقيدة والفقه والحديث وبين فنون الدعوة والخطابة وفن الإدارة  والفتوى وغيرها من المواد. ونلاحظ من مدة الدراسة أنه ليس بمعهد وإنما أقرب إلى دورة تدريبية مكثفة تجري بسرعة على أنقاض مدينة الموصل ووجودهم.

وهي سريعة لسببين: الأول لتخدم وجودهم المؤقت بشكل ميداني في المنطقة. والثاني لأن الحدث يخدم حربهم الإعلامية. ولكن الخدمة الأكبر هي إذا ما توزع الخريجون على أنحاء العالم لنشر تكفيرهم الذي تعلموه، وينقلوه للأجيال القادمة بما يضمن تسلسل إرهابي لا نهائي.

داعش يحاول أن ينشر إرهابه بكل الطرق المتاحة وبكل شيء يمكن أن يتحول إلى سلاح ووسيلة. وهذا ما علينا مراقبته، ومراقبة موادنا التدريسية ومعاهدنا وإعادة هيكلة الكليات والأقسام المتخصصة بدراسة الشريعة والعلوم الإسلامية وصياغة مواد معتدلة نستطيع بها أن نقاوم ما هو قادم من تكفير وعمل برمجة صحيحة للعقل. فأبسط كلية دينية إسلامية ندخلها سنجد فيها ملامح التعصب من شروط الدخول لها من البوابة إلى المواد التدريسية المتضمنة الكثير والكثير من عناصر التكفير والطائفية والفهم الخاطئ للدين.

عن الكاتبة: رفقة رعد خليل، باحثة من العراق في فلسفة الحرب، وحاصلة على شهادة الماجستير في الفلسفة. تكتب لعدد من الصحف العراقية وموقع “الحوار المتمدن”.

لمتابعة الكاتبة على فيسبوك إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".