هديل بوقريص
هديل بوقريص

بقلم هديل بوقريص:

والآن أصبح لديك مخزون أولي من المعلومات التي تخولك بناء قاعدة عامة في معرفة حقوق الإنسان. ولضمان قدرتك على تتبع الخيط المتعلق بهذه السلسلة الحقوقية يمكنك أن تراجع مقالاتي السابقة قبل قراءة هذا المقال اليوم. ولا بأس من الاستعانة بالورقة والقلم لتدوين ملاحظاتك. فهذه السلسلة تُكتب لتتهيأ حتى تصبح مدافعاً، إن رغبت، عن هذه الحقوق يوماً ما.

اليوم سنفتح أفقا جديدا وباباً هاما ونحن في طريقنا لمعرفة حقوق الإنسان. اليوم سنتحدث عن قاعدة أخرى وأساس هام. وحتى أسهل الأمر عليك، تخيّل أن هناك ثلاث أخوات وهن:

- خصائص حقوق الإنسان

- المبادئ الأساسية حقوق الإنسان

- الحريات الأربع الأساسية

وعليك أن تعلم أنه لا يمكن فصلهن عن بعضهن البعض، ولا عن أي فرد آخر سواء كنت تتفق أو تختلف معه: ينتمي لتيارك، حزبك، مذهبك، دينك، عرقك، جنسك، بلدك، لغتك، اقليمك وحتى قارتك، أو لا ينتمي !

الأخوات الثلاث (وهذا عنوان أستخدمه أثناء التدريب ليسهل على المتدربين حفظ العناوين الرئيسية)، يكملن بعضهن البعض وهن ملاصقات لك ولغيرك. هنّ حق لك وعليك.

الأخت الأولى هي خصائص حقوق الإنسان. فهي: طبيعية، أي تنشأ مع ولادة الإنسان وتستمر حتى وفاته. كما أنها ليست منحة من سلطة فردية أو من حكومة أو دولة. عالمية بها تتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية. تكاملية إذ لا يمكن ممارسة حق بمعزل عن الحقوق الأخرى أو إعطاء أفضلية لأي حق على حساب حق آخر. وتشمل كافة الحقوق الإنسانية؛ فلا يمكن إعطاء حقوق وإهمال أخرى. وأخيرا، غير قابلة للتصرف، أي لا يجوز سلبها أو تجريد أي شخص من حقوقه إلا إذا تحدد بموجب القانون.

الأخت الثانية هي المبادئ الأساسية حقوق الإنسان:

أولا. المساواة وعدم التمييز: بدءاً من الأفراد أنفسهم الذين يحملون ذات الصفات إلى المختلفين جنساً وهوية: يجب أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات.

ثانيا. العدالة وسيادة القانون: أن يتم تطبيق القانون بشكل عادل على جميع الأفراد سواء كانوا مواطنين أو غير مواطنين، موالين أو غير موالين للنظام الحاكم. وأن يحترم هذا القانون عند تطبيقه لا أن يعطل لأي سبب من الأسباب. وأن تتوافر كافة سبل الانتصاف لكافة الأطراف.

ثالثاً. المشاركة والتضامن: أن نتشارك جميعنا ونتضامن مع الإنسان أينما كان في أي مكان في العالم. نفرح لفرحه ونحزن لحزنه. نتكاتف لانتشاله من محنه سواء كانت سياسية، اجتماعية، الاقتصادية وحتى الطبيعية.

بقيت الأخت الأخيرة، وهي الحريات الأربع الأساسية. لكن قبل أن أذكر هذه الحريات علي أن أذكر قصتها ومن أين أتت؟

في السادس من يناير عام 1941 قام الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بتوجيه خطاب إلى الكونغرس يتضمن حريات قال إنها الهدف الاجتماعي والسياسي لشعب الولايات المتحدة الأميركية. لأنه وفي نفس العام شهد العالم أحداثاً كثيرة، حيث قامت ألمانيا باجتياح النرويج والدنمارك وفرنسا وبلجيكا وهولندا. وكانت تتقدم نحو بريطانيا. فاقترح روزفلت إرسال مساعدات إلى بريطانيا. لكن الأميركيين أرادوا أن لا تشارك بلادهم في أي نزاع دولي. فوجد نفسه مضطراً لتوضيح التهديد الذي قد يواجههم ويواجه أي ديموقراطية في العالم إذا لم يكن لهم موقف واضح مما يحدث من حروب ودمار للبلدان الأخرى، معلناً عن رؤية يعم من خلالها السلام في هذا العالم. فالناس يجب أن يتساووا في الحقوق.

وقال الرئيس روزفلت "إننا نتطلع إلى عالم يقوم على أربع حريات إنسانية أساسية، الأولى هي: حرية الرأي والتعبير في كل مكان من العالم. والثانية هي: حرية كل إنسان بالعبادة على طريقته الخاصة في كل مكان من العالم. والثالثة هي: التحرر من الفقر في كل مكان من العالم. والرابعة هي: التحرر من الخوف في كل مكان من العالم ".

هل لاحظت أن بعد كل حرية ذكرها ذيلت بعبارة "في كل مكان في العالم"؟

هذه إحدى خصائص حقوق الإنسان "العالمية ". سمي هذا الخطاب بـ "خطاب الحريات الأربع". وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية، أُعلن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، وكذلك العديد من الوثائق الدولية والتي تضمنت تلك الحريات.

أعرف ما الذي تفكر به الآن: لم كل هذه القيم والمبادئ التي قد تقف لتصفق مهللا لوجودها في هذا العالم، وها هم يعرفونها جيدا منذ الحرب العالمية الثانية غير مفعلة وكأنها غير حقيقية؟

هي موجودة. وقد صادقت جميع الدول على واحدة على أقل تقدير من هذه المعاهدات المعنية بحقوق الإنسان. وصادق 80 في المئة من هذه الدول على أربع معاهدات أو أكثر. لكن في ظل غياب أو تغييب دور المجتمع المدني وقلة المدافعين عن حقوق الإنسان، وكذلك عدم توفر محامٍ مهيأ ومتخصص للتصدي لقضايا حقوق الإنسان في بعض البلدان العربية، نجد هذا الصوت خافتا يكاد لا يُسمع.

لذلك، ما زلت مُصرة على مد يدي لك لتكون معنا. فهل ستقبل؟

عن الكاتبة: هديل بدر بوقريص، ناشطة في حقوق الإنسان وكاتبة كويتية. حازت على عدد من الجوائز في مجالي حقوق الإنسان والأدب. لها مدوّنة تهتم بشؤون حقوق الإنسان في منطقة الخليج.

لمتابعة الكاتبة على تويتر إضغط هنا. وعلى فيسبوك إضغط هنا.

 الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".