طلاب جامعيون جزائريون في قاعة للدراسة/وكالة الصحافة الفرنسية
طلاب جامعيون جزائريون في قاعة للدراسة/وكالة الصحافة الفرنسية

الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

في رسالته للشعب بمناسبة إحياء عيد الثورة الجزائرية، في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016، قال الرئيس بوتفليقة إن بلاده أضحت تعتمد على بنية مؤسساتية ضامنة للتعددية والديموقراطية وإن "الدستور الذي تمت مراجعته، في مطلع العام الجاري، تعزز بقواعد الديموقراطية التعددية، وأثرى منظومتنا الانتخابية بضمانات جديدة للشفافية والحياد".

وتستعد الجزائر لإجراء استشارة شعبية جديدة العام القادم برسم الانتخابات التشريعية، التي تراهن عليها السلطة لتكون دليلا اخر على تقدم الديموقراطية بالبلاد.

فهل يوافق الشباب الجزائري على ما يذهب إليه المسؤولون خلال تصريحاتهم عشية كل استحقاق انتخابي؟ وهل يرى الجزائري في الانتخاب تكريسا للديموقراطية التي ينشدها؟

لمعرفة كل ذلك حاور مراسل (إرفع صوتك) بالجزائر عدداً من طلبة العلوم السياسية وكانت الآراء الآتية.

صبرينة دغبوش طالبة في السنة الثانية من دراسة الماجستير بكلية العلوم السياسية في العاصمة. ترى أن الشعب دفع ثمنا باهضا لدعم احترام حقوق الإنسان وتكريس الديموقراطية وحرية التعبير "لكن كل ذلك لم يأتِ بنتيجة ملموسة، بل ما زالت البلاد تعود إلى الخلف وتتخلى عن مكاسب انتفاضات الشباب المتعاقبة".

الديموقراطية والسياسة

"انتفض الشباب الجزائري مرارا في سنوات 1980 ثم 1988 ثم 2001 لكن كل ذلك لم يحقق ما نصبو إليه كمواطنين، نحن نرتقب من يأخذ بأيدينا لشاطئ الأمان"، تقول الشابة.

وفي إجابتها لسؤال موقع (إرفع صوتك) حول مسؤولية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في تكريس الديموقراطية، قالت صبرينة "لا تسألني عن أحزاب صنعتها السلطة لتدور في فلكها وتلميع صورة الجزائر في المحافل الدولية دعك منها".

عبد الهادي مجدوب، لا يرى هو الآخر في تعددية التشكيلات السياسية دليلا على ديموقراطية البلاد عموما.

ويتساءل الطالب في قسم الإعلام بذات الكلية حول حقيقة حرية الاعتقاد في وطنه، ويقول إنها ليست مكفولة بالقدر الذي يجعلك "تصدع بأفكارك" على حد تعبيره.

"لا يمكنك أن تكبت أفكارك وتقول إنني أعيش في كنف الديموقراطية"، يؤكد عبد الهادي، 22 عاماً، في حديثه لموقع (إرفع صوتك).

أكتوبر 1988

أما سولاف قادري فترى أن الرئيس بوتفليقة أعطى للوطن فرصة لتطبيق الديموقراطية التشاركية مرّات عدّة. "لكن الطبقة السياسية لا تعترف بالمشاركة، لأنها ترمي لإسقاطه وإضعاف الوطن أمام الأطماع الخارجية"، تقول لموقع (ارفع صوتك).

وتؤكد الطالبة التي وجدناها تحضّر لبحث حول المؤسسات الدستورية ودورها في الحفاظ على الجمهورية، أن الجزائر قطعت فعلا أشواطا في تكريس الديموقراطية بالنظر للبلدان العربية الأخرى.

"لقد عشنا ربيعنا في أكتوبر 1988، ولعل التعددية الإعلامية والسياسية التي انبثقت عن ذلك أعطت دروسا للدول المجاورة، ما أثمر الثورات التي يتفاخرون بها اليوم".

وفي إجابتها عن سؤال لموقع (إرفع صوتك) حول سبل تطبيق الديموقراطية مثل ما يجري في البلدان الغربية، قالت قادري "هذا يمكن شريطة أن يرتقي الشعب الجزائري لمستوى الشعوب الغربية. أنا أرى توعية الشباب أولا ثم توفير أطر الديموقراطية، ومن ثم يمكنك تطبيقها كما يحلو لك".

لا أبدا!

من جانبه، لا يثق مهدي شندال الطالب في قسم الاتصال بإمكانية المسؤولين بالجزائر التخلي عن مناصبهم لتحقيق مبدأ التداول على السلطة لصالح تطبيق أسس الديموقراطية.

"كيف يمكن أن تطبق الديموقراطية الغربية وأنت في الجزائر؟ لا أعتقد أن ذلك ممكن".  يتوقف قليلاً ليفكر ثم يقول "لا يمكن أبدا".

أما عن الأسباب التي جعلته ينفي ذلك بصيغة التأكيد، كشف الشاب عن محاولات له للدخول في حزب سياسي لم يرد ذكره بالاسم، معبرا عن صدمته لتدني مستوى القائمين على الأحزاب بالجزائر، ورفضهم دخول الشباب المعترك السياسي.

"صدمت حين اقتربت منهم، فهمت أن الديموقراطية لن تتحقق وهؤلاء على رأس الأحزاب ناهيك عن القاعدة الشعبية التي لا ترتقي لاستيعاب نمط الممارسة السياسية كما هو معمول به في الغرب".

أمهلونا قرونا أخرى! 

 أما زميله يوسف فنّي، فيؤكد ساخرا أن الجزائر بحاجة لقرون أخرى حتى تصل بمستوى الوعي الجماعي لما بلغته المجتمعات الغربية.

"أمهلونا قرونا أخرى حتى نرتقي بمستوانا ونصبح على استعداد لتقبل الرأي الاخر دونما اقتتال".

ويعدد الطالب في قسم الإعلام بكلية العلوم السياسية أوجه الاختلاف بين ما هو جارٍ ببلدان الضفة الأخرى (أوروبا) والجزائر قائلاً "نحن لا نملك مؤسسات منبثقة عن إرادة شعبية حقيقية، إعلامنا يخدم السلطة، ونقابات العمال تدور في فلك البلاط. كل هذا يكبح تطبيق ما يسمى بالديموقراطية".

ويكمل الشاب الذي بدا متشائما لفرص تحقيق انتقال ديموقراطي في وطنه قائلا "ربما يأتي يوم يتحقق فيه ذلك، لكن ذلك اليوم لا يزال بعيدا". ثم أعقب قوله "بعيدٌ جدا".

*الصورة: طلاب جامعيون جزائريون في قاعة للدراسة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".