بقلم خالد الغالي:
لا تزال الديموقراطية تثير الكثير من النقاش في الدول العربية، رغم أن العرب عرفوها، أو بعض آلياتها على الأقل، منذ سنوات عديدة. يكفي إلقاء نظرة سريعة على أحد مواقع الفتاوى المشهورة، مثل الإسلام سؤال وجواب، لمعرفة حجم القلق الذي تولده هذه الكلمة في نفوس الكثيرين.
هذه بعض الأسئلة التي يطرحها المتصفحون: سمعت أن كلمة الديموقراطية مستقاة من الإسلام، فهل هذا صحيح؟ ما حكم شغل منصب بارز في البرلمان، أو شغل منزلة أخرى في حكومة ديموقراطية؟ وما حكم الاقتراع وانتخاب شخص بطريقة ديموقراطية؟ ما حكم الصلاة خلف من يروج للديموقراطية؟ وهل يجب علينا معرفة تفاصيل ما إذا كان الإمام الذي نقتدي به في الصلاة ممن يمارس الديموقراطية أم لا؟ هل الديموقراطية من فتنة الدجال؟ فقد سمعت رجلاً متديناً يقول بذلك.
الديموقراطية كفر!
تصنف الديموقراطية على أنها مبادئ فكرية وآليات عملية. فالمبادئ تتعلق أساسا بالحريات (حرية العقيدة، حرية الرأي..) والآليات تعني الإجراءات الشكلية لإنشاء نظام ديموقراطي (انتخابات، برلمان، تداول السلطة، فصل السلطات..).
في الدول العربية، يوجد من يرفض الديموقراطية جملة وتفصيلا، آليات ومبادئ، وينظر إليها على أنها تعارض مطلق بين حكم الله وحكم الشعب. فالانتخابات، كآلية ديموقراطية، تجعل كلمة الشعب فوق كلمة الله. والمبادئ التي تنص عليها الديموقراطية، من قبيل الحريات، تعارض أحكاما شرعية ثابتة (حرية العقيدة مقابل حد الردة مثلا). وعلى هذا الأساس تكون الديموقراطية كلها حراما، بل كفرا.
هذا هو موقف أغلب شيوخ السلفية التقليدية، والتيارات "الجهادية"، وحتى حزب التحرير الذي ينشط في بعض الدول العربية، وهو الذي أصدر سنة 1990 كتابا بعنوان "الديموقراطية نظام كفر". لكن الصف السلفي شهد بعض التململ، فقد قبل سلفيو الكويت ومصر والسودان والجزائر دخول غمار المشاركة السياسية، معلنين قبولهم بآليات اللعبة الديموقراطية (الانتخابات)، دون مبادئها بالتأكيد.
لكن الموقف لم يتزحزح كثيرا في المملكة العربية السعودية، معقل الفكر السلفي وحيث سلطة المؤسسة الدينية مؤثرة جدا. فما يزال ثمة رفض مطلق للديموقراطية إذ الأحزاب ممنوعة، بل ينظر إلى الانتماء الحزبي على أنه تفرقة لشمل المسلمين، كما لا توجد انتخابات تشريعية، أو برلمان (هناك فقط مجلس شورى معين). لكن رغم ذلك، توجد فتاوى من كبار علماء السعودية لا ترى حرمة الانتخابات، بل إن المملكة نفسها تنظم انتخابات بلدية منذ 2005، وسمحت بمشاركة المرأة فيها سنة 2015.
ديموقراطية بدون علمانية
تشارك حركات الإسلام السياسي في اللعبة الديموقراطية في أغلب الدول العربية، بل تقبل التعايش مع الأحزاب ذات المرجعية الليبرالية واليسارية، بما فيها التي ترفع شعار العلمانية، وتتناوب معها في التداول على السلطة وأحيانا تتحالف معها في قيادة الحكومة (تونس والمغرب مثلا). وهي ترى أن التعارض بين الإسلام والديموقراطية ليس أمرا حتميا.
وقد دفع دخول هذه الحركات ميدان العمل السياسي والنقابي، على قدم المساواة مع التيارات الأخرى، إلى القبول تدريجيا بالديموقراطية على مستوى الممارسة، دون أن يصحب ذلك في أكثر الأحيان تطور على مستوى التنظير والأدبيات. فلا تستطيع هذه الحركات، مع استثناءات قليلة، أن تعلن تأييدها لكثير من مبادئ الديموقراطية، خاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية، رغم أنها قد تقبل بها واقعا.
لكن رغم القبول بالديموقراطية، تجمع مختلف حركات الإسلام السياسي على رفض تام للعلمانية. وهي ترفض الملازمة بين الديموقراطية والعلمانية بنفس المنطق الذي ترفض به المقابلة بين الإسلام والديموقراطية.
ويصف مؤسس وزعيم حركة النهضة التونسية، وهي إحدى أكثر الحركات الإسلامية انفتاحا، راشد الغنوشي القول بتلازم العلمانية والديموقراطية بأنه "اقتران مضلل"، مشيرا إلى وجود العلمانية في دول مثل الاتحاد السوفييتي وتركيا وتونس من دون ديموقراطية، وإلى وجود ديموقراطية (انتخابية على الأقل) من دون علمانية كما هو الحال في إيران.
ويرى الغنوشي، في مقال على موقعه الرسمي، أن الدول الغربية ورغم إقرارها للعلمانية، إلا أن ممارسة السلطة فيها لا يمكن أن تتم إلا في إطار مرجعية ثقافية معينة. وبالتالي "أن يكون الإسلام إطارا مرجعيا في ديموقراطية إسلامية فليس ذلك بدعا في الفكر السياسي الديموقراطي".
الآخرون والديموقراطية
سؤال الديموقراطية ليس مطروحا في الحقيقة على الإسلاميين فقط، بل أيضا على خصومهم أيضا، سواء تعلق الأمر بالأنظمة الحاكمة أو بالأحزاب اليسارية أو الأحزاب الليبرالية العلمانية. ففي أغلب أنظمة الحكم العربية، خاصة الملكيات والإمارات، لا يزال الحاكم خارج نطاق المحاسبة، محتفظا بأغلب الصلاحيات رغم وجود انتخابات تشريعية ورؤساء حكومة منتخبين.
أما فيما يتعلق بالصف اليساري، فالأحزاب اليسارية القومية التي وصلت إلى السلطة أقامت أنظمة حكم على النمط الستاليني، وألغت الحياة السياسية بالكامل وحظرت الأحزاب وقمعت الحريات، قبل أن ترغمها مجريات الأحداث على فتح المجال للتعددية. حدث هذا في العراق وسورية ومصر والجزائر ودول أخرى. أما التي لم تصل إلى السلطة، خاصة المتبينة للماركسية منها، فظلت على حلمها بالثورة والتأسيس لحكم الحزب الثوري الوحيد، ولم تعلن قبولها بالتعددية السياسية إلا بعد أن أصبحت أمرا واقعا، ودون أن تخوض مراجعات أو نقدا لماضيها أو تقدم تبريرا لتبينها للديموقراطية الليبرالية الغربية.
لكن رغم هذا التطور في الصف اليساري أيضا، لا يزال يخترقه تيار استئصالي تجاه الإسلاميين، يرفض تماما فسح المجال لهم للمشاركة في المجال السياسي، بحجة أنه "لا ديموقراطية إلا مع الديموقراطيين".
*الصورة: سيدة بحرينية تضع شريطا على فمها يحمل كلمة "الديمقراطية" سنة 2003 في المنامة/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659