سيدة بحرينية تضع شريطا على فمها يحمل كلمة "الديمقراطية" سنة 2003 في المنامة/وكالة الصحافة الفرنسية
سيدة بحرينية تضع شريطا على فمها يحمل كلمة "الديمقراطية" سنة 2003 في المنامة/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم خالد الغالي:

لا تزال الديموقراطية تثير الكثير من النقاش في الدول العربية، رغم أن العرب عرفوها، أو بعض آلياتها على الأقل، منذ سنوات عديدة. يكفي إلقاء نظرة سريعة على أحد مواقع الفتاوى المشهورة، مثل الإسلام سؤال وجواب، لمعرفة حجم القلق الذي تولده هذه الكلمة في نفوس الكثيرين.

هذه بعض الأسئلة التي يطرحها المتصفحون: سمعت أن كلمة الديموقراطية مستقاة من الإسلام، فهل هذا صحيح؟ ما حكم شغل منصب بارز في البرلمان، أو شغل منزلة أخرى في حكومة ديموقراطية؟ وما حكم الاقتراع وانتخاب شخص بطريقة ديموقراطية؟ ما حكم الصلاة خلف من يروج للديموقراطية؟ وهل يجب علينا معرفة تفاصيل ما إذا كان الإمام الذي نقتدي به في الصلاة ممن يمارس الديموقراطية أم لا؟ هل الديموقراطية من فتنة الدجال؟ فقد سمعت رجلاً متديناً يقول بذلك.

الديموقراطية كفر!

تصنف الديموقراطية على أنها مبادئ فكرية وآليات عملية. فالمبادئ تتعلق أساسا بالحريات (حرية العقيدة، حرية الرأي..) والآليات تعني الإجراءات الشكلية لإنشاء نظام ديموقراطي (انتخابات، برلمان، تداول السلطة، فصل السلطات..).

في الدول العربية، يوجد من يرفض الديموقراطية جملة وتفصيلا، آليات ومبادئ، وينظر إليها على أنها تعارض مطلق بين حكم الله وحكم الشعب. فالانتخابات، كآلية ديموقراطية، تجعل كلمة الشعب فوق كلمة الله. والمبادئ التي تنص عليها الديموقراطية، من قبيل الحريات، تعارض أحكاما شرعية ثابتة (حرية العقيدة مقابل حد الردة مثلا). وعلى هذا الأساس تكون الديموقراطية كلها حراما، بل كفرا.

هذا هو موقف أغلب شيوخ السلفية التقليدية، والتيارات "الجهادية"، وحتى حزب التحرير الذي ينشط في بعض الدول العربية، وهو الذي أصدر سنة 1990 كتابا بعنوان "الديموقراطية نظام كفر". لكن الصف السلفي شهد بعض التململ، فقد قبل سلفيو الكويت ومصر والسودان والجزائر دخول غمار المشاركة السياسية، معلنين قبولهم بآليات اللعبة الديموقراطية (الانتخابات)، دون  مبادئها بالتأكيد.

لكن الموقف لم يتزحزح كثيرا في المملكة العربية السعودية، معقل الفكر السلفي وحيث سلطة المؤسسة الدينية مؤثرة جدا. فما يزال ثمة رفض مطلق للديموقراطية إذ الأحزاب ممنوعة، بل ينظر إلى الانتماء الحزبي على أنه تفرقة لشمل المسلمين، كما لا توجد انتخابات تشريعية، أو برلمان (هناك فقط مجلس شورى معين). لكن رغم ذلك، توجد فتاوى من كبار علماء السعودية لا ترى حرمة الانتخابات، بل إن المملكة نفسها تنظم انتخابات بلدية منذ 2005، وسمحت بمشاركة المرأة فيها سنة 2015.

ديموقراطية بدون علمانية

تشارك حركات الإسلام السياسي في اللعبة الديموقراطية في أغلب الدول العربية، بل تقبل التعايش مع الأحزاب ذات المرجعية الليبرالية واليسارية، بما فيها التي ترفع شعار العلمانية، وتتناوب معها في التداول على السلطة وأحيانا تتحالف معها في قيادة الحكومة (تونس والمغرب مثلا). وهي ترى أن التعارض بين الإسلام والديموقراطية ليس أمرا حتميا.

وقد دفع دخول هذه الحركات ميدان العمل السياسي والنقابي، على قدم المساواة مع التيارات الأخرى، إلى القبول تدريجيا بالديموقراطية على مستوى الممارسة، دون أن يصحب ذلك في أكثر الأحيان تطور على مستوى التنظير والأدبيات. فلا تستطيع هذه الحركات، مع استثناءات قليلة، أن تعلن تأييدها لكثير من مبادئ الديموقراطية، خاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية، رغم أنها قد تقبل بها واقعا.

لكن رغم القبول بالديموقراطية، تجمع مختلف حركات الإسلام السياسي على رفض تام للعلمانية. وهي ترفض الملازمة بين الديموقراطية والعلمانية بنفس المنطق الذي ترفض به المقابلة بين الإسلام والديموقراطية.

ويصف مؤسس وزعيم حركة النهضة التونسية، وهي إحدى أكثر الحركات الإسلامية انفتاحا، راشد الغنوشي القول بتلازم العلمانية والديموقراطية بأنه "اقتران مضلل"، مشيرا إلى وجود العلمانية في دول مثل الاتحاد السوفييتي وتركيا وتونس من دون ديموقراطية، وإلى وجود ديموقراطية (انتخابية على الأقل) من دون علمانية كما هو الحال في إيران.

ويرى الغنوشي، في مقال على موقعه الرسمي، أن الدول الغربية ورغم إقرارها للعلمانية، إلا أن ممارسة السلطة فيها لا يمكن أن تتم إلا في إطار مرجعية ثقافية معينة. وبالتالي "أن يكون الإسلام إطارا مرجعيا في ديموقراطية إسلامية فليس ذلك بدعا في الفكر السياسي الديموقراطي".

الآخرون والديموقراطية

سؤال الديموقراطية ليس مطروحا في الحقيقة على الإسلاميين فقط، بل أيضا على خصومهم أيضا، سواء تعلق الأمر بالأنظمة الحاكمة أو بالأحزاب اليسارية أو الأحزاب الليبرالية العلمانية. ففي أغلب أنظمة الحكم العربية، خاصة الملكيات والإمارات، لا يزال الحاكم خارج نطاق المحاسبة، محتفظا بأغلب الصلاحيات رغم وجود انتخابات تشريعية ورؤساء حكومة منتخبين.

أما فيما يتعلق بالصف اليساري، فالأحزاب اليسارية القومية التي وصلت إلى السلطة أقامت أنظمة حكم على النمط الستاليني، وألغت الحياة السياسية بالكامل وحظرت الأحزاب وقمعت الحريات، قبل أن ترغمها مجريات الأحداث على فتح المجال للتعددية. حدث هذا في العراق وسورية ومصر والجزائر ودول أخرى. أما التي لم تصل إلى السلطة، خاصة المتبينة للماركسية منها، فظلت على حلمها بالثورة والتأسيس لحكم الحزب الثوري الوحيد، ولم تعلن قبولها بالتعددية السياسية إلا بعد أن أصبحت أمرا واقعا، ودون أن تخوض مراجعات أو نقدا لماضيها أو تقدم تبريرا لتبينها للديموقراطية الليبرالية الغربية.

لكن رغم هذا التطور في الصف اليساري أيضا، لا يزال يخترقه تيار استئصالي تجاه الإسلاميين، يرفض تماما فسح المجال لهم للمشاركة في المجال السياسي، بحجة أنه "لا ديموقراطية إلا مع الديموقراطيين".

*الصورة: سيدة بحرينية تضع شريطا على فمها يحمل كلمة "الديمقراطية" سنة 2003 في المنامة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".