منظمات مجتمع مدني تعمل على إرساء دعائم الديموقراطية في الدول العربية
منظمات مجتمع مدني تعمل على إرساء دعائم الديموقراطية في الدول العربية

بقلم إلسي مِلكونيان:

لم يعد الحديث عن مفاهيم الديموقراطية وقواعد ممارستها حكراً على المجتمعات الغربية. فقد انتقلت هذه المفاهيم إلى الدول العربية عبر وسائل عدة، وصار إرساء دعائم الممارسات الديموقراطية في المجتمع هدفاً من أهداف كثير من الفعاليات المجتمعية ومنها منظمات المجتمع المدني المدعومة من مؤسسات دولية وخيرية، من دول عربية وغربية، تقدم لها الدعم المالي والتقني.

وعلى الرغم ممّا شهدته دول عربية وغربية من تغيرات أمنية وسياسية واقتصادية وموجات إرهاب خلال السنوات الخمس الماضية (منذ أحداث ما يسمى بالربيع العربي سنة 2011)، ما زالت هذه المنظمات تواصل نشاطاتها وتخطط لمستقبلها، مما يستحق الاهتمام بماهية النتائج التي تحققها في الدول العربية التي تنشط فيها. 

الدعم الغربي للديموقراطية العربية

ومن أمثلة المؤسسات الداعمة لمنظمات المجتمع المدني في الدول العربية الصندوق الوطني للديموقراطية ومقره واشنطن. ويقدم الصندوق تمويلاً لجهات غير حكومية مستقلة وغير حزبية لدول عدة ومنها بعض الدول العربية، ولكن بنسب مختلفة وحسب الحاجة بهدف دعم الديموقراطية.

 ويشرح عبد الرحمن الجبوري، كبير الباحثين في المنظمة، لموقع (إرفع صوتك) أن الدعم يقدم بثلاث طرق: الأولى عن طريق الإعلان لمجموعات الشباب ليتقدموا بطلب المساعدة مالية أو تقنية حسب مواعيد محددة، وفترة تمويلية معينة .

الطريقة الثانية هي الشراكة مع مؤسسات أخرى لديها خبرة في مجال معين ومستعدة لنقلها للمؤسسات العربية، مثل الرقابة على عمل اللجان البرلمانية، ليكون للمواطن مشاركة في القرار السياسي.

أما الطريقة الثالثة هي الزمالات (fellowships) بحيث يتم تدريب الكوادر العربية على كيفية بناء هذه المؤسسات.

ومع كل ذلك يبدو أن تحقيق الأهداف المنشودة يتطلب وقتاً كبيراً. ويقول الجبوري “لا وجود لنجاحات كبيرة واضحة في الوقت الحالي لأننا نعمل على بناء مؤسسات ديموقراطية وهذا يستغرق فترة طويلة، حيث يوجد فرق بأن تستجيب لحالة طوارئ في بلد ما (كمؤسسات الإغاثة) أو أن تبني مؤسسات ديموقراطية، لأنك تبدأ هنا ببناء وتأهيل الأشخاص”.

ويبين الجبوري أن التحدي الكبير أمام هذه المنظمات في السنوات القادمة هو خلق قيادات تؤمن بالعمل المدني والدولة المدنية والديموقراطية وربط هذه القيادات في مؤسسات، وإيجاد كوادر مؤمنة بثقافة العمل المدني.

ويشير الجبوري إلى أن خلق جيل يبحث عن الواجبات أكثر من الحقوق هو أمر صعب، “لذا عليك أن تدرب هذ الطاقات ليصبحوا قادة في المستقبل وكل هذه الأمور تحتاج إلى تدريب مستمر”.

ويوضح أيضاً أن تغير القيادات والرؤساء في الدول الغربية لن يغير الكثير من عمل المؤسسات الغربية الداعمة للديموقراطية. ولكن قد يكون هناك تقليصاً في الأموال الداعمة في ناحية أو تحويلها من اتجاه لآخر.

قد يكون للجماهير العربية أولويات مختلفة

وتقوم هذه المنظمات بتنظيم ورش عمل ومؤتمرات لتعريف الناس بما تقوم به وبالأهداف التي تعمل على تحقيقها في المجتمع وهي: نقل الشعوب إلى فهم وممارسة الديموقراطية.

ولكن يرى خبراء أن حاجات المجتمع قد تكون مختلفة وسط ما تعانيه الدول العربية من تقلبات أمنية واقتصادية. ويشرح صبري الربيحات، وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية السابق في الأردن لموقع (إرفع صوتك)، أن هذه المؤتمرات لا يحضرها عدد كبير من الناس، بل يحضرها البعض في اليوم الأول ويتلاشى الحضور فيما بعد لينحصروا بأصدقاء المتحدث، لأن أكثر ما يشغل المواطنون العرب في الوقت الحالي هو لقمة العيش والإصلاح السياسي والاقتصادي الذي ينعكس على دخولهم.

ويقول الربيحات إن هذه المنظمات تفترض أن الناس ناقصة للمعرفة، وهي تحاول أن تتماشى مع توقعات الجهات الغربية الداعمة لها أكثر من استجابتها لحاجات المجتمع. “لو كانت الأفكار نابعة من المجتمع لكان لها فاعلية أكبر. فالناس في حقيقة الأمر تعاني من الفساد وتعنت السلطات”.

ويقترح الخبير الأردني أن بناء الديموقراطية يجب أن يتم من خلال التوجه للمؤسسات التعليمية أولاً حيث يتم من خلالها بناء المجتمعات ودعم البرامج التي تفك ارتباطهم بالتلقين وتعزيز البرامج الإعلامية التي تبث أفكار الديموقراطية والحوار.

ويضيف قائلا “يجب أن نحفز الناس على أن يناقشوا الأفكار في مجتمعاتهم المحلية بدل مناقشتها عن طريق الندوات من خلال البرامج الإعلامية مثلاً. وأقترح أن يكون هناك متابعة ومراقبة للتحقق من أن التمويل وأهداف المؤسسة تحققت للأهداف التي وجدت من أجلها”.

*الصورة: منظمات مجتمع مدني تعمل على إرساء دعائم الديموقراطية في الدول العربية/Shutterstock

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

صور للحالات التي وثقها التقرير الجديد تظهر إصاباتهم في العيون برصاص الأمن الإيراني
صور للحالات التي وثقها التقرير الجديد تظهر إصاباتهم في العيون برصاص الأمن الإيراني

إلى حد ما، وبالقوة العنيفة، أخمدت السلطات الإيرانية تظاهرات البلاد التي خرج فيها الناس احتجاجا على مقتل، مهسا أميني، لكن قد يكون صعبا على طهران محو آثار ما فعله عناصر أمنها بحق المحتجين، خاصة تلك العيون التي احمرت وتشوهت من رصاص الأمن.

تقرير جديد، كشف بالأرقام والأسماء حقائق خطيرة عن "الاستهداف الممنهج" لعيون المتظاهرين، وخاصة النساء.

أدناه صورتان من التقرير، وكما يقال، الصورة بألف كلمة، تلخصان ما حدث حين هب الإيرانيون باحثين عن الحرية، ليجد أفراد الأمن في عيونهم هدفا مشروعا لإخافة الشعب. 

صور لحالات وثقها التقرير الجديد تظهر إيرانيين أصيبوا في عيونهم برصاص الأمن الإيراني خلال التظاهرات
توثق الصور الاستهداف الممنهج لعيون المتظاهرين برصاص الأمن الإيراني

جماعة حقوق الإنسان الإيرانية (IHRNGO) قالت إن قوات الأمن في إيران "استهدفت عمدا" عيون ووجوه المتظاهرين خلال حملة القمع التي وصفتها بـ"العنيفة" ردا على المظاهرات، العام الماضي، والتي اندلعت بعد وفاة أميني في أثناء حجز الشرطة لها بتهمة انتهاكها قواعد اللباس والحجاب، بحسب ما نقلت إذاعة أوروبا الحرة في تقرير.

وفي التقرير الذي نُشر، الجمعة، أعلنت المنظمة الحقوقية، ومقرها النروج، أنها تحققت من 138 حالة إصابة في العين أصيبت بها المتظاهرون خلال الاحتجاجات التي استمرت أشهر في مختلف أنحاء إيران، العام الماضي. وأوضحت أن العديد من الضحايا فقدوا الرؤية في عين واحدة، وبعضهم في كلتا العينين.

صور أشعة توثيق استهدف الرصاص الإيراني عيون المتظاهرين

وقال رئيس المنظمة الحقوقية، محمود أميري مقدم، إن التحقيقات كشفت أن الجرائم التي ارتكبها النظام خلال الاحتجاجات كانت "مخططة ومنسقة ومحسوبة"، مضيفا أنه يجب "محاسبة المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي، وجميع مرتكبي مثل هذه الجرائم".

وكانت تقارير ظهرت تشير إلى تورط قوات الأمن الإيرانية في إطلاق النار على المتظاهرين عمدا في عيونهم، وذلك في المظاهرات التي خرجت احتجاجا على وفاة أميني، في 16 سبتمبر 2022.

ويقول الضحايا إنهم استُهدفوا عمداً قبل إصابتهم. وقد رفضت الحكومة الإيرانية وكبار المسؤولين الأمنيين هذه الاتهامات، وفقا إذاعة أوروبا الحرة.

وقالت المنظمة إن من بين الضحايا ثمانية أطفال أصغرهم فتاة تبلغ من العمر 5 سنوات.

وأضافت المنظمة في تقريرها إن النساء يشكلن 28 في المئة من المصابين في العيون، لكن 9 فقط من الوفيات، ما يعني أن "القوات القمعية اختارت استهداف أعين النساء عمدا بدلا من إطلاق النار لقتلهن".

وقالت المجموعة إنه في عينة أصغر تم جمعها من مدينة مهاباد شمال غرب إيران، تشكل النساء 56 في المئة من المصابين بإصابات العين.

وأشارت المنظمة أن العدد الفعلي للمتظاهرين الذين أعمتهم قوات الأمن بعد إطلاق النار عليهم في العين غير معروف.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن حوالي 500 شاب إيراني عولجوا في مستشفيات طهران من إصابات في أعينهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الاحتجاجات.

مجموعة من المتظاهرين الإيرانيين أصيبوا في عيونهم بالرصاص المعدني والمطاطي

ورصدت مجموعة "إيرانوير"، التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، نحو 580 حالة إصابة بالعمى في طهران وإقليم كردستان وحدهما، "لكن الأعداد الفعلية في جميع أنحاء البلاد أعلى بكثير"، بحسب منظمة إيران.

كما أبلغ نشطاء حقوق الإنسان عن عدة حالات لمتظاهرين أصيبوا بجروح في أعينهم وتم اعتقالهم في محاولة واضحة لإسكاتهم.

لكن منظمة إيران تقول إنها غير قادرة على التحقق من مثل هذه التقارير.

وراح ضحية المظاهرات التي اندلعت بعد وفاة أميني أكثر من 500 شخص، من بينهم 71 طفلا.

ونفذت قوات الأمن الإيرانية على مدى الأيام الماضية انتشارا واسعا مع حلول ذكرى وفاة أميني في 16 سبتمبر 2022، بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق على خلفية انتهاك قواعد اللباس الصارمة.

وأعلنت السلطات خلال الأيام المنصرمة توقيف العديد من الأفراد والشبكات التي تعمل على "التشويش على أذهان الرأي العام" والحض على "الشغب" والتواصل مع قنوات "معادية للثورة".

وفي سياق متصل، نقلت وسائل إعلام محلية عن الحرس الثوري توقيف إيراني يحمل جنسية دولة أخرى لم يتمّ تحديدها، لمحاولته "تنظيم أعمال شغب وتخريب" في مدينة كرج غرب طهران.

وجرت العديد من هذه التوقيفات في المناطق الغربية من البلاد حيث تقطن غالبية كردية، وتشمل مدينة سقز مسقط رأس أميني في محافظة كردستان.

كما أفادت وسائل الإعلام المحلية عن توقيفات في شمال شرق الجمهورية الإسلامية وشمالها الغربي ووسطها.