احتفالات في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية/وكالة الصحافة الفرنسية
احتفالات في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم خالد الغالي:

في 31 تشرين الأول/أكتوبر، انتخب مجلس النواب اللبناني الزعيم المسيحي ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد نحو سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي. كانت هذه الفترة هي المدة الضرورية لإيجاد تسوية سياسية بين السنة لتولي رئاسة الوزراء والمسيحيين الموارنة لتولي رئاسة الجمهورية. ولم تكن هذه المرة الأولى الذي يحدث فيها هذا في لبنان. فقبل انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان في أيار/مايو 2008، ظل البلد من دون رئيس أكثر من نصف عام.

ما زال لبنان في الواقع يدار بنظام أرسيت دعائمه منذ عشرينيات القرن الماضي. ويقضي عرفيا بأن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا. وتكرس هذا العرف مع “الميثاق الوطني”، سنة 1943، وهو اتفاق غير مكتوب  بين الزعيمين التاريخيين في لبنان رياض الصلح (سني) وبشارة الخوري (ماروني). واليوم، ما زال اللبنانيون يحتاجون في كل مرة إلى توافق الأطياف الرئيسية الثلاث للخروج من الفراغ السياسي.

لبنان غير جاهز

يبلغ عدد سكان لبنان قرابة ستة ملايين نسمة، يتوزعون على 18 طائفة. خاضت هذه الطوائف حربا أهلية لقرابة 15 سنة، بين 1975 و1989، من دون أن يستطيع اللبنانيون تجاوز التقسيم الطائفي الذي كان ساريا قبل الحرب. صحيح أن اتفاق الطائف (عقد سنة 1989 في مدينة الطائف في السعودية)، الذي أنهى الحرب، حقق المناصفة تقريبا بين المسلمين والمسيحيين في المقاعد النيابية (بنسبة ستة إلى خمسة لصالح المسيحيين) ومنح لرئيس الوزراء السني صلاحيات أوسع كانت عرفا في يد رئيس الجمهورية الماروني. غير أن دعواه لوضع اللبنات الأولى لإقامة نظام غير طائفي وانتخاب مجلس نواب بعيد عن الطائفية بقيت حبرا على ورق.

اليوم، وبعد 27 سنة على اتفاق الطائف، لا يختلف الوضع كثيرا. “لا يزال اللبنانيون غير جاهزين لتجاوز مرحلة الدولة ذات التوزيع الطائفي والمذهبي إلى دولة تتنبى المفهوم المدني للسلطة”، يقول نائب رئيس تحرير صحيفة النهار نبيل بومنصف.

فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني أمين قمورية أن “النظام الطائفي تكرس أكثر من أي وقت مضى”.

إلا أنه ورغم أن “الديموقراطية التوافقية”، كما يطلق عليها اللبنانيون، تحول دون الانتقال إلى دولة تتخطى الطائفية وتتسبب أحيانا في فترات فراغ سياسي، إلا أن البعض يراها على الأقل صيغة سلمية لإدارة الصراع بين الطوائف بدل الحرب.

يقول نبيل بومنصف “لم يفشل هذا النظام في توفير حماية لافتة للسلم الأهلي، خاصة في السنوات الأخيرة. قبل خمس سنوات، وبسبب ما حدث في سورية، كنا على حافة حرب في لبنان. لكن نظام المحاصصة تمكن من تفادي استجلاب الحرب إلى لبنان، رغم تورط فريق لبناني فيها (حزب الله). هذا النوع من التوافقات اشتغل كحزام أمان. كانت مختلف الأطراف واعية بأنه يجب عدم السقوط في الفتنة الطائفية مرة أخرى”.

يتفق أمين قمورية جزئيا مع هذا التحليل، إلا أنه يشدد على أهمية الدور الخارجي في فرض الاستقرار في لبنان. “من أرسى الاستقرار في الحقيقة هو التوافق الإقليمي والدولي بأن يبقى لبنان مستقرا. لا يريد أحد أن يصبح لبنان سورية ثانية”، يوضح قمورية.

صمام أمان؟

إذا كان صحيحا أن نظام المحاصصة يمثل صيغة سلمية لتدبير الصراع الطائفي، فكيف سقط لبنان في حرب أهلية لعقد ونصف أدت إلى مقتل 150 ألف شخص؟

“في ذلك الوقت، كانت الظروف مختلفة”، يقول نائب رئيس تحرير صحيفة النهار. ويضيف “في سنة 1975، كان السبب الرئيسي للحرب هو الوجود الفلسطيني المسلح. كان لبنان ينهج سياسة تقوم على النأي والحياد، كترجمة لعبارة “لا شرق ولا غرب” الموروثة عن دولة لبنان لسنة 1943. دخول العامل الفلسطيني المسلح (منظمة التحرير الفلسطيني) هو الذي فجر الوضع. ولاحقا، تحولت الحرب من لبنانية فلسطينية إلى لبنانية لبنانية بين شيعة وسنة وموارنة ودروز”.

أما اليوم، يشدد بومنصف، فقد تأكد لدى الجميع أن لا أحد يستطيع أن يلجأ إلى الحسم العسكري. “لا يمكن السيطرة على باقي الطوائف في لبنان بقوة السلاح. هذا مستحيل على أية طائفة مهما بلغت قوتها، وقد حاولت أطراف أن تلجأ إلى هذا الحل في السبعينيات وفشلت، وحاولت أخرى سنة 2008 وفشلت. يكون الحل دائما هو الرجوع إلى التوازنات الطائفية”، يقول الإعلامي اللبناني.

 وبدوره، يقول المحلل السياسي أمين قمورية “بهذا المعنى فقط تكون المحاصصة الطائفية تحفظ السلم، لكنها ليست ضامنا. الديموقراطية وحدها تضمن السلم بشكل دائم. نكذب عندما نتحدث عن “ديموقراطية توافقية” بين الطوائف، كلمة ديموقراطية وطائفة لا تجتمعان”.

شكاوى الإقصاء

إذا كان قبول نظام المحاصصة الطائفية لا مفر منه مخافة فتح الأبواب أمام المجهول، فإن أطرافا داخل اللعبة السياسية اللبنانية ترفع صوتها بالشكوى. يتعلق الأمر، أساسا، بالشيعة والدروز. يشكو الشيعة ضعف صلاحيات منصب رئيس البرلمان الذي يتولونه مقارنة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، فيما يشكو الدروز من عدم توليهم أي موقع رئاسي كبير.

كان هذا الهاجس في الحقيقة حاضرا منذ توقيع اتفاق الطائف في أيلول/سبتمبر 1989. يقول نبيل بومنصف “حاول الاتفاق وضع توازنات لا بأس بها لكنها لم تنفذ. فقد تم التنصيص في الطائف على تأسيس مجلس شيوخ كغرفة ثانية في البرلمان بهدف أن يحصل الدروز على موقع رئاسة”. بشكل حرفي، نص الاتفاق على ما يلي “مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية”. وكان مفهوما أن الدروز سيتولون رئاسته.

أما عن الشيعة، فيقول أمين قمورية “هم طائفة كبيرة، ويتمتعون بحضور قوي في الشارع، خاصة أن دور حزب الله أخذ بعدا إقليميا. صحيح أن رئيس مجلس النواب لا يتمتع بصلاحيات كبيرة، لكن الشيعة يسعون إلى تعويض ذلك بالحصول على مناصب هامة، خاصة في أجهزة الأمن”.

بشكل عام، يرى بومنصف أن اتفاق الطائف، وهو المرجعية الأولى للنظام السياسي في لبنان اليوم، يصلح لأن يكون لبنة يمكن تطويرها نحو “أفق علماني” يلغي نظام الطوائف ويقيم دولة على أساس المواطنة. فقد حاول الاتفاق إيجاد موازنة بين المسلمين والمسيحيين، ولم يهمل الدروز، وجعل من إلغاء الطائفية السياسية “هدفا وطنيا أساسيا يقتضي العمل على تحقيقه”.

عدا هذا، فسيبقى “ينظر إلى الشخص في لبنان على أنه سني أو شيعي أو ماروني أو درزي قبل أن ينظر إليه على أنه لبناني”، يختم نائب رئيس تحرير النهار.

*الصورة: احتفالات في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".