بقلم إلسي مِلكونيان:
لعب الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة دوراً كبيراً في إبراز مواقف المواطنين العرب حيال الكثير من القضايا التي أثرت على دولهم وحياتهم. في الآونة الأخيرة مثلاً، وخلال تحرير الموصل وقبلها الفلوجة وغيرها من قبضة داعش، برزت أوسمة (هاشتاغات) على تويتر لمواجهة حملات داعش وعملية التجنيد التي يقوم بها عبر الإنترنت.
كما برزت أهمية الإنترنت خلال الثورات العربية، إذ أنّه منح المواطنين والمساحة الكافية مارسوا من خلاله حرية التعبير عن آرائهم.
ولكن قد يكون لهذا الأمر أبعاد سلبية عندما تمنح للمستخدم فرصة للتعبير عن آراء متطرفة قد تؤثر سلباً على توجيه أو تكوين الرأي العام. ولهذا السبب نشأت مبادرات لترشيد وتوجيه ما ينشر عبر الإنترنت لاستخدامه بطريقة أمثل.
منظمة “أنا أجرأ” لمكافحة خطابات الكراهية
من ضمن هذه المبادرات منظمة “أنا أتجرأ” للتنمية المستدامة، وهي منظمة أردنية تعمل على تحسين سلوك الأفراد على الإنترنت وفي الحياة العملية للوصول إلى مجتمع أفضل. ومن أبرز ما تقوم به هو الحد من خطابات الكراهية وتشجيع خطاب المحبة.
وتعتمد المنظمة مبدأ الشراكات مع منظمات مجتمع مدني للوصول إلى كافة مجتمعات المحافظات الأردنية. وتستند في عملها على متطوعين شباب وورش تدريب لنشطاء ليقوموا بدورهم في نشر الوعي بين المجتمعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية ووسائل أخرى مبتكرة، كان آخرها باص يدور على الناس ويوزع عليهم منشوراً حول مفاهيم خطاب الكراهية.
تقول سهى عياش مديرة حملة “أنا أتجرأ” في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) “أصبحنا نعمل على خطاب الكراهية في الأردن على الصعيد الوطني منذ 2013 ووجدنا أنه منتشر بين الناس وأنه موضوع مهمل”. وتتابع “لم تكن مجرد حملة وإنما برنامج تدريبي نفذناه في 2015 ليتعرف الناس عن معنى خطاب الكراهية وأنماطه والفرق بين الديموقراطية وحرية التعبير. فإن كنت أتمتع بحقي في الحصول على الإنترنت، لا يعني أن أكتب ما أريد على صفحتي”.
وتشرح عياش أنها وفريق العمل واجهوا انتقاداً من الناس الذين وصفوا المشروع بأنه موجه للنخبة. ولكن مع الوقت ازداد الوعي لدى الناس حول خطاب الكراهية وأبعاده. كما لاحظت وفريقها وجود نقص في أبحاث اللغة العربية التي تشرح مضامين هذا الخطاب للعالم العربي وفقاً لـ خطة عمل الرباط التي تحظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية والتي اتبعوها كمعيار لتطوير حملتهم.
وقد تمّ التوصل إلى خطة عمل الرباط بعد عدة حلقات عمل بشأن حظر التحريض على الكراهية القومية والعنصرية والدينية، نظمتها الأمم المتحدة في شتى مناطق العالم عام 2013، لحظر التحريض على التمييز والعداء والعنف، على النحو المبين في المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ولا تقوم حملة “أنا أتجرأ” بمراقبة المنشورات على الإنترنت أو محاربتها، وإنما تطرح بدائل عن طريق التدريب التقني لتسليط الضوء على المشكلة، كحلقات نقاش في مساحات آمنة وعلى الإنترنت أيضاً ليستطيع الناس الحديث فيها.
وتضيف عياش “استطعنا التأثير على الناس، خاصة بعد اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر الذي قتل على أساس ديني، فقمنا بحملة توعوية لتوجيه المنشورات حول هذه الموضوع على الإنترنت، وكنتيجة قام البعض بإغلاق صفحاتهم وفتح صفحات جديدة”.
وتعمل المنظمة في المرحلة القادمة على تدريب الإعلاميين للحصول على محتوى بالعربية حول خطابات الكراهية والتطرف العنيف وتطلق أوسمة على فيسبوك وتويتر باسم #خطاب المحبة على الانترنت وIDARE to online love speech.
أي جي مينا: مبادرة لتشريع الإنترنت
مبادرة “أنا أتجرأ” ليست الوحيدة. ففي نفس السياق، نشأ برنامج “أي جي مينا” بدعم من هيفوس، وهي منظمة دولية للتنمية ومقرها هولندا، بهدف حوكمة الإنترنت في الدول العربية والتشريعات المتعلقة به.
ونشأت هذه الفكرة خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت في 2003 في جنيف ولاحقاً في 2005 في تونس، تم بعدها تعريف حوكمة الإنترنت على أنه المشاركة بين ممثلي الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لوضع خطط حول مستقبل الإنترنت.
ويشرح حمزة بن محرز، خبير أول في تشريعات الإنترنت لدى هيفوس لموقع (إرفع صوتك) أن برنامج أي جي مينا عمل على تكوين مجموعات ضغط مؤلفة من نشطاء أكاديميين ومنظمات مجتمع مدني في دول عربية عدة في الشرق الأوسط والمغرب العربي للتأثير على الحكومات لتغيير أسلوب الرقابة المعتمدة ومنح المواطنين فرصاً أكبر للحصول على المعلومة. ويتم العمل مع الدول العربية المشاركة في البرنامج حسب حاجتها.
يقول محرز “في كل دولة عملنا على تشجيع مجموعات الضغط ليكتبوا حول مشاكل مختلفة فيقومون بإثارة الحوار ورفع الوعي والتنبيه إلى هذه المشاكل”.
ويضيف محرز أن المبادرة ساعدت في العراق مثلا مجموعة نشطاء تكتب حول جرائم الإنترنت، أما في تركيا “عملنا على تشجيع الناس ليكتبوا حول تاريخ الرقابة وفي المغرب على تحرير مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بتحرير الـ(IP بروتوكول الإنترنت)”.
ومن قصص النجاح، يحكي محرز أن المبادرة استطاعت أن تخلق فريقاً من النشطاء وخبراء الإنترنت ليكتبوا حول تشريعات الإنترنت في الدول العربية وخلقت مبادرات أخرى منها “أي ال أي” في كل من العراق وإيران وتونس وسورية ومصر ولبنان للمقارنة بين التشريعات العالمية لحكومة الإنترنت والتشريعات المعتمدة عالمياً.
*الصورة: مبادرات شبابية لحوكمة الإنترنت في الدول العربية/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659