الأردن – بقلم صالح قشطة:
منذ بداية استقلاله سنة 1946، مرّ الأردن بمنعطفات حاسمة حاولت تهديد كيانه، وكادت تعصف به، وهو البلد الصغير الذي يقع وسط مهب ريح محيطه الملتهب شديد التعقيد والتأزم.
ففي منتصف القرن الماضي وُئِدت فيه الحياة الديموقراطية في مهدها مع إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية عام 1957، ليتبعها تجميد للحياة البرلمانية عام 1974 بسبب تبعات حرب 1967، وما أعقبها من تطورات سياسية وديموغرافية غيرت وجه المنطقة، إلى أن اتخذ القرار الحاسم عام 1988 لإعادة الحياة البرلمانية، فبعثت الديموقراطية في الأردن من جديد، وألغيت في عام 1992 الأحكام العرفية، لتشكل تلك الديموقراطية لدى البعض نموذجاً خلق استقراراً سياسياً يحتذى به في المنطقة، فيما اعتبرها البعض الآخر مثالاً للديموقراطية “المقلمة أظافرها”.
تحوّل ديموقراطي تدريجي
يرى د. سامي الحوراني، الذي يدير إحدى المؤسسات المعنية بالتنمية الديموقراطية الشبابية، أن الأردن يعيش مرحلة تحول ديموقراطية تدريجية، يصفها “بالمترددة أحيانا”، وذلك للظروف المحيطة، والتي تحتم عليه التعامل مع ملف التحول الديموقراطي والإصلاح السياسي بحذر وبطء.
ورغم أن الدستور الأردني بنظره يراعي المبادئ الأساسية للديموقراطية، إلّا أنه يرى أن آليات التطبيق قد تسمح ببعض التجاوزات في بعض القوانين التي يصفها بأنها “فضفاضة”.
وفي حديثه إلى موقع (إرفع صوتك)، يشدّد الحوراني على أنّه لا بد من كسر حاجز الخوف من الانخراط وتكوين الأحزاب وفتح الحياة الحزبية، “فالعديد من الشباب توارثوا فكرة الخوف من الأحزاب. وظهور تيارات سياسية جديدة مهم جداً، كتيار الدولة المدنية وغيرها”.
وعلى حد تعبيره فإن الأردن بحاجة إلى كتل حزبية منظمة، لديها أجندات وبرامج وطنية واضحة تتنافس فيما بينها على تقديم سياسات إصلاحية وتنموية.
دولة ديموقراطية
أما الخبيرة القانونية الأردنية رندا غزالة، فهي تصنف الأردن كدولة ديموقراطية، وتراه من ضمن الدول حديثة العهد بالديموقراطية التي “تسعى للوصول إلى مصاف الدول المتطورة ديموقراطياً”.
وفي حديثها إلى موقع (إرفع صوتك)، تشير الخبيرة إلى أنّه منذ عودة الحياة الديموقراطية المتمثلة بعودة الحياة البرلمانية عام 1989، أفرزت الانتخابات النيابية مجلساً برلمانياً منتخباً يعد من أقوى المجالس وأكثرها ديموقراطية.
وتعتبر غزالة أنّ عودة الحياة الحزبية كانت من أهم مؤشرات تطور الديموقراطية، وعلى حد تعبيرها “بعد أن كان التحدث بالسياسة والانتماء للأحزاب من التابوهات، أصبحت الدولة تدعم التحزب، وأحد أهم مظاهر هذا الدعم هو الدعم المادي للأحزاب، وإنشاء وزارة التنمية السياسية”.
وتستشهد غزالة بالحزب الشيوعي الذي تم تأسيسه في خمسينات القرن الماضي، ما ترى فيه دلالةً على أن التطور الديموقراطي كان “منقطع النظير” في مرحلة مبكرة، إلى أن أتت الأحكام العرفية، وتم تعطيل بعض أدوات الديموقراطية، ومنها الحالة الحزبية، مضيفةً “الحياة الديموقراطية لم تقتصر فقط على الرجال، بل كانت المرأة شريكة فيها”، مشيرة إلى الحزب الشيوعي الذي أسسته في الأردن امرأة.
الواقع الحالي
وبالنظر إلى الواقع الحالي، تقول غزالة أن أدوات تطبيق الديموقراطية، والتي تعني “حكم الشعب من خلال الشعب” بواسطة مجلس برلماني منتخب باتت موجودة، بغض النظر عن القوانين الانتخابية التي تفرز هذه البرلمانات والطرق الانتخابية المتبعة، إلّا أنه وبالرغم من دعم الدولة للأحزاب “لكن للأسف لا نجد حالة حزبية في الأردن، خصوصاً عندما نعلم أن عدد الأحزاب الموجودة لدينا تفوق عدد الأحزاب الموجودة في الولايات المتحدة مثلاً”.
وبالرغم من تأكيدها على أن الدستور الأردني في بنوده يحمي الحريات ويكفلها، إلّا أنها ترى أن “هناك قوانين تخالفه، كالقانون الذي يمنع المرأة من منح جنسيتها لأبنائها، رغم أن المادة السادسة من الدستور الأردني كفلت المساواة في الحقوق والواجبات بين الأردنيين، دون تمييز على أساس الجندر، وكفالة الدستور لهذا الحق تعني تذليل كافة العقبات التي تواجه تطبيق هذا النص الدستوري”.
وتشير كذلك إلى أن الدستور في المادة 15 منه كفل حرية الرأي والتعبير، وتعلق على ذلك “إلا أننا ما زلنا نشاهد ونسمع عن توجهات حكومية بتقييد هذه الحريات بحجة الدواعي الأمنية ومتطلبات المرحلة”.
وبحسب الخبيرة، فإن الديموقراطية هي أفضل الطرق للوصول إلى حكم عادل، وإلى تحقيق قيم العدالة، متابعةً “لكن المشكلة لا تكمن بالنهج الديموقراطي، وإنما تكمن في أوضاع وأحوال الشعب، فالمواطن الذي يعاني الفقر والعوز وتراكم الديون وغيرها، وبالكاد يستطيع تأمين قوت يومه ومصروف أبنائه، لن يكترث بالسياسة، ولا بمن فاز بالنيابة، ولا حتى باسم رئيس الوزراء الحالي أو أي من الوزراء”.
*الصورة: أحد الأدراج القديمة التي تشتهر بها مدينة عمان، في منطقة وادي صقرة/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659