نور مع والدها/بعدسة مراسل راديو سوا في بغداد إياد الملاح
نور مع والدها/بعدسة مراسل راديو سوا في بغداد إياد الملاح

بقلم علي قيس:

ازدادت ظاهرة الأطفال العاملين والمتسولين خلال السنوات الأخيرة في العراق، حسب ما يقول عضو المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان مسرور أسود لموقع (إرفع صوتك).

وتختلف أعداد الأطفال العاملين بين المحافظات، لكن في بغداد هناك 7425 طفلا تم رصدهم من قبل فرق المفوضية أثناء تواجدهم في الأسواق أو الساحات العامة. أما في المحافظات فتتراوح أعدادهم بين 200- 1000 لكل محافظة، كما يقول أسود.

لي الفخر أن أعمل

الظروف الاقتصادية الصعبة أنشأت أيضاً لدى بعض الأطفال شعوراً مبكراً بالمسؤولية وجعلتهم يكبرون قبل الأوان. ومن ضمن هؤلاء نور ابنة التسعة أعوام التي قالت في حديث لموقع (إرفع صوتك) غلبت عليه نبرة الخجل "لي الفخر أن أخرج مع والدي وأبيع الشاي".

نور طالبة في الصف الرابع الابتدائي، تعمل إلى جانب والدها في بيع الشاي بشارع المتنبي وسط بغداد. تقول "أعمل حتى أساعد أمي وأبي، لدي أخ واحد لا يزال في الأشهر الأولى من عمره، ولا يوجد من يساعد أبي في مسؤولياته".

تخرج نور دائماً مع والدها إلى العمل وقد أنهت مؤخراً الامتحانات النهائية وهي تنتظر النتيجة. وتأمل أن ينتهي حلمها بمتابعة دراستها والتخرج من كلية الهندسة "أتمنى عندما أكبر، أصبح مهندسة".

وتنهي نور حديثها بالقول "لا أخجل من عملي، وأصدقائي في المدرسة لا يعلقون على عملي ويكتفون بالسكوت".

ماذا عن والدها؟

أمّا والد الفتاة الذي يسكن محلة الذهب في منطقة العلاوي وسط بغداد، فيقول إن نور منذ البداية كانت تحب العمل وكانت تعاون أمها في رعاية أخيها الصغير.

 ويضيف لموقع (إرفع صوتك) "لطالما تقول لي ابنتي (مسؤولياتك كثيرة ولا يمكن أن تتحملها وحدك) وهي صغيرة بالعمر لكنها شجاعة ودائما تقول لي (أنت كبير بالسن ويجب عليّ مساعدتك)".

كان والد نور يعمل في صبغ المنازل لكن سوق عمله ليس على ما يرام، ما اضطره إلى مزاولة بيع الشاي. يعتبر أن العمل ليس عيباً، وأن العيب في أن تمد يدك للآخرين، "وعمل نور معي في بيع الشاي شرف لي ولعائلتي".

ورغم صغر سن نور على العمل في شارع مكتظ بالمتبضعين، إلا أن والدها يؤكد أن ابنته تصر على العمل، موضحا "هي من طلبت الخروج معي إلى العمل، وإذا تركتها تلتزم البكاء، تحب دائما معاونتي في العمل".

دور الدولة

وإن كانت نور اختارت العمل طوعاً، فبعض الأطفال يجدون أنفسهم مجبرين عليه. ويتحدث مسرور أسود عن الأسباب التي تقف وراء ازدياد ظاهرة عمالة الأطفال، موضحا أنّ الظروف الأمنية أدت إلى زيادة العائلات النازحة وعدد الأيتام الذين لا يملكون معيلا، ما حوّل الأطفال إلى معيلين.

ويتابع عضو مفوضية حقوق الإنسان أن وزارة العمل أصدرت قرارا منعت بموجبه أرباب العمل من تشغيل الأطفال، كما أن قانون العمل العراقي يمنع العمل لمن عمره أقل من 15 عاما، "لكن هذه التشريعات غير كافية".

وتتحمل الدولة مسؤولية كبيرة في معالجة هذه الظاهرة، بحسب أسود الذي أوضح أن "الباب الثاني من المادة 30 في الدستور العراقي أوجب على الدولة توفير المعيشة الكريمة للطفل وتوفير مستلزمات دراسته ورعايته الصحية، كما أن العراق صادق على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل".

*الصورة: نور مع والدها/بعدسة مراسل راديو سوا في بغداد إياد الملاح

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".