جانب من الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات في العراق
جانب من الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات في العراق

بقلم حسن عبّاس:

يعاني قسم كبير من الشباب العرب من البطالة، ويحفر ذلك في نفوسهم ندوباً خاصةً حين يكونون من الخريجين الجامعيين الذين قضوا 20 سنة أو أكثر من حياتهم في التحصيل العلمي. يُقال لهم إن البلد فقير ولا موارد فيه ولكن الحقيقة أن الفساد المستشري في إدارات بلادهم مسؤول أساسي عن أحوالهم.

والفساد هو سوء استخدام الوظيفة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، ويتخذ أشكالاً مختلفة من السرقة المباشرة إلى الابتزاز إلى الرشوة إلى السمسرة إلى تسهيل تعاقدات مع الدولة وصولاً إلى تعيين الأقارب في الوظائف.

ويستنزف الفساد المال العام لخدمة مصالح الفاسدين الخاصة ما يحرم المواطنين من فوائد كثيرة كانت ستتحقق لهم لو جرى استثماره الأموال المهدورة في مشاريع إنتاجية.

فالفساد يتسبّب بهدر مبالغ هائلة قدّرها رئيس البنك الدولي بما بين 20 و40 مليار دولار سنوياً، في الدول النامية وحدها، مؤكداً أنه يعمل كـ"ضريبة تنازلية"، أي أنه يؤثر سلباً على المواطنين الأكثر فقراً وعلى الشركات الأصغر حجماً.

لا شفافية لا استثمار

"الفساد هو إحدى المسائل الأساسية لتأخّر النمو الاقتصادي"، أكّد الخبير الاقتصادي اللبناني وأستاذ الاقتصاد في جامعة سيدة اللويزة لويس حبيقة.

وشرح لموقع (إرفع صوتك) أن الفساد يقضي على الاستثمارات الضرورية لتحقيق النموّ في البلاد. وقال "يهرب المستثمر من الفساد، وإذا غاب الاستثمار يغيب النمو وبالتالي تغيب فرص العمل".

وأشار إلى أن "ما يقلق المستثمر بشكل أساسي هو خوفه من ضياع حقوقه. فالفساد حين يتفشى يصل إلى القضاء  والقوى الأمنية ما يعني أنك لن تحصّل حقك إذا اعتدى عليك أحد ما".

ولفت إلى أن "الفاسدين يحمون بعضهم البعض ويُضرب معيار الكفاءة والنزاهة ويصير المقياس الجديد للنجاح هو مدى قرب علاقة المستفيد من شبكة الفساد".

وتابع أن "المستثمر في الدول الفاسدة يبتعد عن الاستثمارات طويلة الأمد وهي الاستثمارات التي تخلق فرص العمل، لأنه لا يثق بما يحمله له المستقبل، ويفضّل العمل في استثمارات قصيرة الأمد يحقق ربحه منها ويمكنه الانسحاب من السوق بعدها".

الواقع المؤسف

تنخر آفة الفساد إدارات معظم الدول العربية بحسب التقارير الدولية التي تتطرّق إلى المسألة. وبحسب المؤشر السنوي الذي تعدّه منظمة الشفافية الدولية، هكذا تترتّب الدول العربية من الأكثر فساداً حتى الأقل فساداً:

ترتيب الدول العربية بحسب مستوى فسادها بحسب المؤشر السنوي الذي تعدّه منظمة الشفافية الدولية

​​

فقدان الأمل

وعن تأثير الفساد على المشاريع الحكومية، ضرب الخبير المالي العراقي والمتخصص في المحاسبة الدولية صفوان قصي مثل العراق الذي يعاني من استشراء الفساد في إداراته، ما أسفر عن ضياع 100 مليار دولار منذ عام 2003، بحسب قصي.

وشرح لموقع (إرفع صوتك) أن "الإنفاق الحكومي استهلاكي ولا يهدف إلى الإنتاج وهنالك تضخّم في عدد موظفي الدولة الذي يبلغ أربعة ملايين ونصف المليون موظف يعملون في قطاعات غير منتجة ووُظّفوا ترضيةً لفئات سياسية معيّنة".

وتابع أنه ليس هنالك استراتيجية حكومية واضحة تحدد أولويات الإنفاق الحكومي وهذا نوع من الفساد أيضاً لأنه يؤدي إلى إهدار المال العام.

"في الدول الفاسدة، تفقد الأجيال الجديدة الأمل بالنجاح في بلدها فلا تهتم بالبقاء فيه لأن التقدّم يحتاج إلى نسج علاقات مع شبكات الفاسدين وهو ما لا يتوفّر للجميع"، قال حبيقة، ملاحظاً أن "الفساد يمنع نمو البلد ويمنع نمو الإنسان في البلد".

وشرح حبيقة أنه "على مستوى مشاريع الدولة، لا يعود الاهتمام بتنفيذ المشاريع الأفضل بل يجري العمل بأقل جودة ممكنة لأن هذا مربح أكثر. وبالتالي تصير الخيارات مغلوطة لأن الهدف يصير التربّح لا مصلحة البلد".

ولفت إلى أن "الفساد يؤثر أيضاً على مشاريع القطاع الخاص فالمشاريع تكلّف أكثر ويتفاجأ صاحب المشروع بالتكاليف الإضافية غير المحسوبة لنيل الموافقات والتراخيص".

ما العمل؟ "لا يحارب الفساد إلا الوعي الشعبي"، قال حبيقة، مضيفاً أن  "السياسيين والمسؤولين لن يعملوا على تغيير واقع الحال إذا لم يعترض الناس".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

مقاطع فيديو رصدت جريمة قتل البلوغر العراقي نور - صورة تعبيرية.
مقاطع فيديو رصدت جريمة قتل البلوغر العراقي نور - صورة تعبيرية.

"كيف لي أن أعود إلى بغداد والموت قد ينتظرني؟"، بهذا السؤال يعرب الناشط الحقوقي، أوس جبير، عن مخاوفه في ظل ما وصفه بتزايد العنف وخطاب الكراهية ضد مجتمع الميم عين والناشطين الذين يدعمونهم في العراق.

جبير، وهو مدير مشروع أمان الذي يختص بدعم أفراد مجتمع الميم عين في تركيا، يعلّق على حادثة مقتل البلوغر "نور بي أم" بالقول: "ممكن أن أتعرض للاغتيال عن طريق نفس هذه المجموعات الخارجة عن القانون".

وأثارت حادثة قتل البلوغر وخبير التجميل العراقي نور، الذي يسمي نفسه "نور بي أم" على مواقع التواصل الاجتماعي، القلق لدى المثليين في العراق، والذين حمل بعضهم المسؤولية لـ"خطاب الكراهية".

ويعرف نور عن نفسه بـ"ملك الإثارة، وموديل ميك اب ارتست"، ويعتبر من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتابعه نحو 100 ألف شخص على إنستغرام.

 

وعن الجهة التي تتحمل مسؤولية قتل نور، يقول جبير: "نحمل الميليشيات والأحزاب أولا مسؤولية خطاب وجرائم الكراهية التي يعيشها مجتمع الميم عين بالخصوص في السنوات الأخيرة في العراق".

ولفت إلى وجود "مقترحات ومشاريع تناقش في البرلمان حول منع وجود الأقليات الجنسية والمعاقبة بالسجن المؤبد والإعدام لأفراد مجتمع الميم عين في الشهر الماضي".

وأضاف: "نحمل الدولة العراقية مسؤولية الحماية والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية أو العرقية أو الجنسية".

وفي أغسطس الماضي، بدأ البرلمان العراقي النظر في مشروع قانون يفرض عقوبات قد تصل إلى الإعدام على المثليين جنسيا.

وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت السلطات حملة ضد "المحتوى الهابط"، وأوقفت الكثير من مستخدمي يوتيوب وتيك توك العراقيين، وفقا لفرانس برس.

ومشروع القانون يعاقب على المثلية الجنسية في العراق، حيث أعرب برلمانيون عن استعدادهم لتشريعه، خصوصا أن "قانون العقوبات العراقي الذي أقر في عام 1960 لا يجرم المثلية الجنسية صراحة".

وكان يتم التضييق على أفراد مجتمع الميم-عين بالاستناد إلى المادة 8 من قانون مكافحة البغاء الذي عدل عام 1988، وعرف البغاء فيه بأنه "تعاطي الزنا أو اللواطة بأجر مع أكثر من شخص"، وفقا لـ"جيم"، وهي مؤسسة إعلامية نسوية.

خطف وتعذيب

ويقول جبير إن نور "قد تم خطفه من جهة مجهولة من قبل وتم تعذيبه وحلق شعره".

وتابع: "هذه ليست جريمة جنائية ولكنها جريمة سياسية ضد الإنسانية وقيم المجتمع المدني المتحضر، حيث يزعم المتاجرون في الدين أنهم يحاربون الفساد على حساب أرواح الأبرياء".

وأكد أنه "في السنوات الستة الماضية عمل مشروع أمان مع الكثير من أفراد مجتمع الميم عين العراقيين الذين هربوا من تهديد وتعذيب وترهيب المجموعات الخارجة عن القانون".

جريمة موصوفة

ويرى المحامي العراقي، محمد جمعة، أن حادثة قتل نور هي "جريمة موصوفة وقد تم التخطيط لها".

ويقول جمعة في حديثه لموقع "الحرة" إنها "جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، لأن كاميرات المراقبة أظهرت أن القاتل كان يراقب نور".

وأضاف أن "حكم هذه الجريمة هو الإعدام"، لافتا إلى أن "الجاني قد يحاول التملص من الجريمة في حال القبض عليه".

وأوضح جمعة أنه "من المفترض من الناحية القانونية أن لا يشمل بأي ظروف تخفيفية، مثل المادة 128، التي تنص على أن العذر الذي يعفي من العقاب قد يكون في ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة"، وقد يتحجج القاتل بذلك.

بدوره، يؤكد جبير أن الجريمة تأتي في إطار "انفلات أمني وسياسي في العراق، فعندما تعجز الدولة عن حماية مواطنيها يختار الكثير منهم اللجوء الإنساني بدول الجوار".

تسجيلات رصدت القاتل 

ونقل مراسل "الحرة" عن مصدر أمني لم يذكر اسمه قوله إن نور "قتل على يد مسلح يستقل دراجة نارية"، الإثنين، أطلق عليه النار في حي الداوودي ضمن منطقة المنصور غرب العاصمة بغداد حيث فارق الحياة على الفور.

وتظهر تسجيلات ما يبدو أنها عملية منسقة اشترك فيها اثنين من سائقي الدراجات، بدا أن أحدهم يرتدي زي عامل توصيل مطعم.

ونقل موقع قناة السومرية نيوز المحلية عن مصادرها الأمنية قولها إن نور "قتل بثلاث رصاصات اخترقت جسده".

من هو نور بي أم دبليو؟

ويبلغ نور من العمر نحو 23 عاما، لكنه يثير الجدل منذ أعوام عدة بتصويره فيديوهات يضع فيها المكياج والشعر المستعار، ويرتدي الملابس النسائية.

ومؤخرا، ظهر نور في لقاء على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه إنه "أفضل من ألف امرأة"، لكنه قال في آخر سابق إن "جنسه ذكر".

وأثارت فيديوهات نور خلال حياته الانقسام بشكل كبير، كما أن صوره التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تظهره وهو يتردد على النوادي الليلية بشكل مستمر سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، الأمر الذي كان يعرضه لانتقادات أيضا.

ويشهد العراق باستمرار مقتل ناشطين ومدونين وخبراء أمنيين، بالإضافة لمقتل مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأتى مقتل نور قبل أيام فقط من الذكرى السنوية الخامسة لمقتل الفنانة والبلوغر العراقية، تارة فارس، والتي قتلت بطريقة مشابهة، على يد سائق دراجة نارية.