متابعة خالد الغالي:
عندما أصدر البنك الدولي، في تشرين الأول/أكتوبر، تقريره الأخير حول العدالة الاجتماعية والاقتصادية ودورها في منع التطرف العنيف، جاءت بعض النتائج على غير المتوقع: الفقر وتدني مستوى التعليم ليسا محددين رئيسيين في التحول إلى الإرهاب. في المقابل، البطالة عنصر مهم في تحول الشباب نحو الإرهاب.
البطالة تقود إلى الإرهاب
اعتمد تقرير البنك الدولي على بيانات تخص 3,803 مجندا في صفوف داعش مصدرها ذاكرة كمبيوتر مسربة لسجلات الأفراد بالتنظيم أتيحت حديثا للباحثين. تقدم هذه البيانات، والتي تغطي الفترة من أوائل 2013 إلى أواخر 2014، معلومات دقيقة عن المجندين وجنسياتهم وحالتهم الاجتماعية ومهاراتهم ومستوياتهم التعليمية وتجاربهم القتالية ومدى إلمامهم بالشريعة.
وجاءت النتائج كمايلي: تبيّن أن 69 في المئة من المجندين المسربة معلوماتهم أنهوا المرحلة الثانوية على الأقل، بل إن 25.4 في المئة درسوا في الجامعة. في المقابل، لا تتعدى نسبة من لم يصلوا إلى المرحلة الثانوية 15 في المئة. أما نسبة الأميين فلا تتجاوز إثنين في المئة. بل إن المجندين “المنحدرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب وشرق آسيا أكثر تعليما بدرجة كبيرة مما هو معتاد في منطقتهم”.
لكن، على العكس من ذلك، وجد التقرير أن غياب مؤشرات “الاحتواء الاقتصادي” أو “الشمول الاقتصادي”، وفي مقدمتها البطالة، أكثر أهمية من الفقر وضعف التعليم في دفع الأجانب نحو الانضمام إلى داعش. ويستنتج التقرير “بالنظر إلى مقاييس الشمول الاقتصادي، يوجد ارتباط قوي بين معدل البطالة بين الذكور في بلد ما واتجاهه لتصدير مجندين أجانب إلى داعش”.
لم يكتفي التقرير بهذه المعلومات المسربة بل اعتمد أيضاً على دراسات واستطلاعات في بلدان المجندين فيما يخص بعض المؤشرات ومنها البطالة.
وحسب البنك الدولي، تعزز النتائج التي توصل إليها باحثوه ما كشفته دراسات سابقة. يقول التقرير “تتسق هذه النتيجة مع نتائج كارتيكا باتيا وحافظ غانم (2016) اللذين أظهرا، باستخدام استطلاعات الرأي لعينة من ثمانية بلدان عربية، أن البطالة بين المتعلمين تؤدي إلى زيادة احتمال اعتناق أفكار متشددة. وبالمثل، يستند يوسف كيندربيوجو وإلينا إيانتشوفيتشينا (2016) إلى معلومات عن المواقف تجاه العنف المتطرف من 27 بلدا ناميا حول العالم وتوصلا إلى وجود ارتباط بين الآراء المتشددة والبطالة أو الصعوبات الاقتصادية”.
وينصح تقرير البنك الدولي بأن “السياسات التي تشجع على خلق فرص العمل.. لا تفيد الشباب الساعين وراء فرصة عمل فحسب، بل قد تساعد على إحباط انتشار التطرف العنيف”.
ماذا يقول الشباب العرب؟
تتوافق خلاصات تقرير البنك الدولي مع نتائج الاستطلاع حول رأي الشباب العربي الذي أصدرته مؤسسة “أصداء بيرسون- مارستيلر”، في كانون الثاني/يناير.
وحسب هذا الاستطلاع، الذي شمل 3500 شابا عربيا من 16 بلدا، فإن ربع الشباب العرب يعتبرون أن الافتقار إلى الوظائف هو السبب الأول لتشجيع الناس إلى الانضمام إلى صفوف داعش. يتقدم هذا العامل على الاعتقاد بأن تفسيرات التنظيمات المتطرفة للإسلام هي الصحيحة وعلى دور التوترات الدينية في المنطقة، خاصة بين الشيعة والسنة.
وفي سنة 2012، ربطت دراسة للباحث الأردني في علم الاجتماع ذياب موسى البداينة بشكل وثيق بين التنمية البشرية في الدول العربية ومعدلات العلميات الإرهابية في هذه البلدان.
وحسب الدراسة، التي اعتمدت على قاعدة بيانات الإرهاب العالمية، فقد بلغ إجمالي العمليات الإرهابية في الدول العربية، بين سنتي 1970 و2007، 11,175 حادثة خلفت أكثر من 30 ألف وفاة.
وجاء في خلاصات الدراسة “أن التنمية البشرية تمثل محصّنا ضد الإرهاب من خلال تمكين الناس وتوسيع خياراتهم، مما يجعلهم حريصين على صيانة استثماراتهم الاجتماعية”. لكن في المقابل يؤدي الفشل في التنمية أو التنمية غير المتوازنة “إلى اختلال في البني الاجتماعية والثقافية مما ينجم عنه تهميش فئات من السكان وعزلهم، مما يجعلهم يلوذون بالإرهاب في سبيل تحقيق أهدافهم خاصة السياسية منها”.
ووجدت الدراسة أن معدلات الهجمات الإرهابية تنخفض في الدول ذات مستويات التنمية البشرية المرتفعة جدا لأنها “دول مستقرة”. لكنها لاحظت أيضا أن الدول التي تكاد التنمية البشرية تكون فيها منعدمة تشهد هي الأخرى انخفاضا في العمليات الإرهابية. وأطلقت الدراسة تسمية “مستقرة قسرا” على هذه الدول، موضحة أن هذين النموذجين معا طاردان للإرهاب.
في المقابل، ترتفع العمليات الإرهابية في “المجتمعات الواقعة تحت عمليات تحويلية وتغير اجتماعي كبير، إذ أنها تمر بحالة من عدم الاستقرار، وبالتالي تمثل بيئة مناسبة لعمل الإرهاب”.
*الصورة: عنصر أمن عراقي يتصفح حطام سيارة دمرت إثر عملية تفجير استهدفت حاجزا تفتيشيا جنوب العاصمة بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659