بقلم حسن عبّاس:
تحتل تونس صدارة المشهد في الدول العربية في ما خصّ الاحتجاجات الشعبية ضد البطالة وللمطالبة بتحسين أوضاع العمال، مع أن ما يعاني منه التونسيون تعاني منه شعوب عربية كثيرة.
التونسيون يحتجّون
عندما ثار التونسيون ضد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كانوا يحملون طموحات كثيرة من أبرزها تحسين أوضاعهم الاقتصادية. ولكن رياح التغيير أتت بما لا تشتهيه سفنهم.
وقال الكاتب والصحافي التونسي الشاب أحمد نظيف لموقع (إرفع صوتك) إنه “بعد سقوط بن علي، لم تتوقف الاحتجاجات لأن أسبابها لم تعالَج. فمعدلات البطالة ارتفعت أكثر وخريجو الجامعات في تزايد كبير”.
حالياً، وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، وهو مؤسسة رسمية، سجّلت نسبة البطالة في تونس خلال الربع الثالث من العام الحالي 15.5 في المئة.
كذلك، فإن عدد العاطلين عن العمل بلغ 357,000 رجلاً و272,600 امرأة، وذلك من بين نحو 4 ملايين و47 ألف شخص في سن العمل.
ومن بين مئات الآلاف من العاطلين عن العمل٬ نجد ما لا يقل عن 214,100 من حاملي الشهادات الجامعية.
والمشكلة الأبرز أن نسبة البطالة ترتفع في المحافظات الداخلية ما يعكس حقيقة غياب الإنماء المتوازن للمحافظات. ففي تطاوين (جنوب شرق) على سبيل المثال، تصل نسبة البطالة إلى 32 في المئة.
واعتبر نظيف أن “الفوضى السياسية والأمنية التي أعقبت سقوط النظام أدّت إلى تقلّص الإنتاج المحلي وهروب رؤوس الأموال الأجنبية. لكن الحركة الاحتجاجية المرتبطة بالبطالة تعتبر ضعيفة قياساً للحركات الاحتجاجية النقابية التي تقودها النقابات لتحسين أوضاع العمال”.
وأثبتت النقابات التونسية قوتها في المشهد التونسي مع حصول “الاتحاد العام التونسي للشغل” على جائزة نوبل للسلام لعام 2015، كأحد مكوّنات الرباعي الراعي لحوار وطني أوجد حلولاً للأزمة السياسية العميقة بين حركة النهضة وحلفائها وبين معارضيها.
من أين هذا الزخم؟
برأي الصحافي التونسي محمد اليوسفي، رئيس تحرير موقع “حقائق أون لاين”، فإن “تنامي ظاهرة الاحتجاجات في تونس خاصة بعد الثورة مردّه إلى ربيع الحريات الذي عرفته البلاد بعد سقوط منظومة الاستبداد التي سقطت معها جدران جمهورية الخوف”.
وأشار اليوسفي لموقع (إرفع صوتك) إلى إحباط الشباب التونسيين، بسبب “عجز الطبقة السياسية عن معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية”.
ولفت إلى أن لهذه المشاكل “أسباب هيكلية عميقة ومتشعبة تتطلب فترة غير قصيرة من الزمن من أجل إيجاد حلول جذرية لها على غرار معضلة البطالة والتنمية في المحافظات” المهمّشة.
وعانت تونس من عدم استقرار سياسي بعد ثورة 2011 وتعددت الحكومات التي تعاقبت على السلطة.
وعقّد من عملية الانتقال السياسي الإرهاب الذي تسلل إلى البلاد بعد الثورة والذي “مسّ قطاعات حسّاسة في الاقتصاد الوطني مثل السياحة التي تعدّ شريان هذا الاقتصاد”، قال اليوسفي.
ومما يُحدث الفارق بين تونس ودول أخرى، برأي نظيف، أن “البطالة عندما تطال شباباً ذوي تكوين جامعي، تفرز قطعاً حركات نقابية واجتماعية قوية في الشارع. فالوضع في تونس لم يكن أسوأ من بعض الدول العربية ولكن الوعي كان أكثر عمقاً والحركات الاجتماعية كانت أكثر تنظيماً وقوةً”.
هل من أفق؟
بحسب تقدير نظيف، “ستسير الحركات الاحتجاجية نحو مزيد من التنامي بعد قرار الحكومة التونسية وقف التوظيف في القطاع العام بطلب من صندوق النقد الدولي، كشرط لمنحها قرضاً. ومن طبيعة التونسي أنه يرغب في العمل بالقطاع العام الذي يحقّق له الأمان الوظيفي”.
واعتبر أن “تعثّر النمو الاقتصادي والوضع الأمني والإرهاب لا يخلقان بيئة أعمال مناسبة لاستيعاب آلاف العاطلين وكذلك تردّي الوضع في الجارة ليبيا التي كانت سابقاً تستقبل اليد العاملة التونسية”.
آخر الاحتجاجات الشعبية الواسعة في تونس، اندلعت بعد مقتل الشاب رضا اليحياوي، 28 عاماً، صعقاً بالكهرباء، في 16 كانون الثاني/يناير، خلال تظاهرة في مدينة القصرين احتجاجاً على ما قيل أنه تلاعب بقوائم توظيف في القطاع العام.
وتشهد تونس فرض حالة الطوارئ منذ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عندما استهدف تنظيم داعش حافلة تقل عناصر من الأمن المركزي.
والآن، يعتبر البعض أن الوضع الأمني لم يعد يستدعي فرض الطوارئ. ويرجّح المحلل طارق بالحاج أن يكون “تنامي الاحتقان الاجتماعي الناجم عن ارتفاع معدّلات البطالة، وتدهور وضعية الطبقة المتوسطة وتردّي الظروف المعيشية، والهشاشة السياسية” وراء استمرار العمل بحالة الطوارئ.
الصورة: جانب من الاحتجاجات في القصرين في كانون الثاني/يناير 2015/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659