شباب عراقيون يلعبون البليارد
شباب عراقيون يلعبون البليارد

بقلم علي قيس:

يُظهر مقطع فيديو انتشر مؤخراً على صفحات فيسبوك عراقية اللواء قاسم راشد، قائد شرطة محافظة واسط، متواجدا في إحدى صالات البليارد ويقف حوله العشرات من الطلبة، يهدد راشد خلال المقطع بغلق الصالات التي يتواجد فيها الطلبة المتسربين من المدارس أثناء فترة الدوام الرسمي.

أثار هذا المقطع ردود أفعال لدى مدونين على فيسبوك، بين من رأى فيه تضييقا على الحريات وآخرين دافعوا عن قرار قائد الشرطة الذي وصفوه بالخطوة المهمة للحفاظ على المسيرة التربوية في المحافظة.

هدفنا تنظيم أوضاع الشباب

وفي اتصال هاتفي مع موقع (إرفع صوتك)، قال اللواء راشد أن متابعته للموضوع جاءت نتيجة تلقيه شكاوى من ذوي الطلبة المتسربين، وكذلك من أصحاب الدور القريبة من تلك الصالات، قالوا فيها "إن عددا من الطلاب يتركون مقاعد الدراسة ويتوجهون إلى صالات البليارد"، مؤكدا "ما وجدته في تلك الصالات أكثر من تسرب للطلاب، هناك عدد منهم يتعاطى الممنوعات، وواجب الشرطة في كل دول العالم منع ارتكاب الجريمة قبل وقوعها وليس العقوبة المشددة بعد الوقوع".

"هدفنا تنظيم أوضاع الشباب وليس التضييق على الطلبة" قال قائد الشرطة، مضيفاً أنه سيعمل مع مجلس محافظة واسط على تحديد ضوابط عمل هذه صالات البليارد والألعاب الإلكترونية والكافيهات، منها: منع دخول الأحداث إلى تلك الصالات وتحديد أوقات عملها، وتفعيل المادة 13 من قانون التعليم الإلزامي (تغريم أو حبس ولي الأمر إذا تكررت المخالفة).

ووفقاً للواء راشد فإن هذه الصالات غير خاضعة لشروط المؤسسات المعنية (الصحة والداخلية والبيئة ومجلس المحافظة)، مشيرا إلى ضرورة تكاتف جهود جميع المؤسسات الحكومية والمدنية في تنبيه الشباب والحرص على إكمالهم تعليمهم.

لماذا نحن في المقاهي؟

يقول غيث ماجد، الطالب في الصف الثالث من المرحلة المتوسطة في محافظة واسط، "يجب أن يطرح السؤال التالي: لماذا نحن في المقاهي؟".

يقول غيث أن هناك مشكلة في العدد الكبير للطلاب في مدارس المحافظة مقارنة بعدد المدرسين المسؤولين عن تعليمهم. فهناك مثلا مئات الطلبة في مدرسته، لكن عدد المدرسين لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، حسب قوله. "أين نذهب في وقت الفراغ وعدم وجود دروس؟ لذلك، نلجأ للمقاهي".

ويتابع الطالب غيث في حديث لموقع (إرفع صوتك)"ربما يعتقد البعض أن سلوكنا خاطئ، ولكن نحن تعودنا عليه بسبب الفراغ القاتل وعدم دخولنا في حصص تدريسية".

أما أحمد عبد الحسين، الطالب في الصف الخامس الإعدادي في محافظة واسط، فيقول "نحن نتقبل النصح بشأن الخطر الموجود في الصالات العامة بكل رحابة صدر. ولكن نعترض على غلقها".

يؤكد أحمد أنه مواضب على إتمام الواجبات المدرسية يوميا وأن مستواه العلمي جيد، مقارنة بأقرانه. "ولكن في أوقات الفراغ إلى أين أذهب"، يضيف أحمد. "لا توجد أماكن عامة منظمة أو حدائق ولا توجد أماكن للتسلية وقضاء وقت الفراغ".

الصالات تحتاج لرقابة ومن الخطأ غلقها

المدير العام السابق في تربية محافظة واسط محمد خلاطي يرى أن التسرب من التعليم هو عارض جانبي لظاهرة تفشت في المدارس العراقية بسبب غياب النشاطات اللا صفية. موضحا في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن دروس مواد الفنية والتربية الرياضية ضعفت منذ نحو عقدين، و"غابت بشكل كامل بعد 2003 عن مناهج المؤسسة التربوية".

وبيّن خلاطي أن العُطل الكثيرة والتي يتم تحديدها من دون موافقة أو تشاور كافٍ مع المؤسسة التربوية وقلة البنايات المدرسية أدت إلى أن يكون الدوام المدرسي وفقَاً لنظام الوجبات كلها عوامل تصب في ضعف التعليم والنفور منه.

"لا يمكن أن نلقي المسؤولية بالكامل على الشاب. أصبح الطالب يبحث عن متنفس، ووجده في تلك الصالات"، يقول خلاطي. وألقى بالمسؤولية بالدرجة الأولى على المؤسسة التربوية ومن ثم المؤسسات الحكومية الأخرى "التي يجب أن تفتح باب الأنشطة الرياضية والثقافية والعلمية والفنية".

"الأسر أصبحت في حيرة من أمرها، فهم لا يجدون متنفسا لأبنائهم وبالتالي هي أيضا تتحمل جزءاًَ من المسؤولية لكن ليس بيدها حيلة".

الاتفاق على تربية الأطفال أهم من الاتفاق على الأثاث

"أولياء الأمور بدأوا يفقدون السيطرة على الأبناء لعدة أسباب"، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز لموقع (إرفع صوتك)، موضحة أن من بينها "زحمة الحياة وصعوبة توفير متطلباتها وكذلك انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت منافسا للأبوين في تربية الأطفال لذلك على الآباء أن ينتبهوا أنهم ما عادوا الوحيدين المؤثرين على تنشئة أطفالهم".

وترى عبد العزيز أن المدارس لم مراكز جذب بل مصدر نفور للطلبة، سواء للزخم الموجود فيها أو المناهج غير المدروسة وأساليب تعامل الإدارات والهيئات التعليمية مع الطلبة وكل هذا دفع بالكثير من الطلاب للبحث عن مراكز ترفيه بدل الوقت الذي يعتبره ضائعا في المدرسة.

وشددت عبد العزيز على أن "غياب الدور الفاعل للمؤسسات الحكومية لا يعوضه إلا الأهل، فحتى صالات الرياضة صار فيها تعاطٍ لهرمونات أدت إلى وفيات بين الشباب".

*الصورة: "لكن في أوقات الفراغ إلى أين أذهب؟"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".