مصرية تحتج وسط القاهرة على قانون تنظيم حق التظاهر
مصرية تحتج وسط القاهرة على قانون تنظيم حق التظاهر

بقلم حسن عبّاس:

ظاهرة لافتة تعمّ العالم العربي ألا وهي ظاهرة تصدّر حكّام مسنّين للمشهد السياسي فيما المجتمعات العربية شابة جداً.

مفارقة لافتة

وتظهر المفارقة حين نقارن عمر الحكام العرب بمتوسط أعمار Median Age الشعوب العربية، وهو مؤشّر يقسّم الشعب إلى مجموعتين متساويتين إحداهما سنّ أعضائها أصغر منه والأخرى سنّ أعضائها أكبر منه.

فمثلاً إذا قلنا أن متوسط عمر شعب ما هو 30 سنة، فهذا يعني أن نصف سكّانه عمرهم أقل من 30 سنة ونصفهم الآخر عمرهم أكثر من 30 سنة.

مقارنة بين عمر الحكام العرب وبين متوسط أعمار الشعوب العربية

​​

هل هذا خيار الشباب؟

في بداية تعليقه على هذه المفارقة، قال منير كشو، أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة تونس إنه لا يمكن أن نطلق حكماً حول تفضيل الشباب أن يحكمهم المسنّون لأن السلطة مُسلّطة على الناس وهامش الاختيار المتاح لكثير من الشعوب العربية ضيّق جداً وبالتالي لا يمكن أن نتأكد من أن هذا هو ميل الرأي العام.

وأشار لموقع (إرفع صوتك) إلى أنه عدا عدم توافر آلية ديموقراطية للاختيار في الأنظمة الملكية، فإن هامش الاختيار ضيّق جداً في دول أخرى. ففي المغرب والأردن معظم الصلاحيات مركّزة بيدي الملك الذي لا يشارك الناس في آلية اختياره، و"في العراق لا تزال الديموقراطية مريضة ولا تُفسح المجال لتغييرات كبيرة، وفي لبنان لا تسمح الديموقراطية التوافقية بتغيير القادة السياسيين"، وهم زعماء الطوائف الموجودون على الخارطة السياسية منذ عقود بدون تجدّد.

دلالات التجربة التونسية

ولكن المفارقة أن تونس التي شهدت أبرز تجربة ديموقراطية بين الدول العربية أنتجت في آخر استحقاق انتخابي رئيساً هو عميد الحكّام العرب، مع رقم 90 سنة القياسي.

وعن ذلك، شرح كشو أن "مزاج الناخبين لا يزال محافظاً والطابع المحافظ يجعلهم يفضّلون الكبار وما يوحي لهم بالاستقرار والأمن والرشد والحكمة على الشباب والتغيير واكتشاف الجديد لأنهم لا يطمئنّون إلى الجديد كثيراً ويحترزون منه".

في تونس، جرت حتى الآن ثلاثة استحقاقات انتخابية. ولفت في الانتخابات التشريعية الأخيرة ترشّح الكثير من المسنّين في مقابل ظاهرة عزوف واسع للشباب عن الاقتراع.

وفي تلك الانتخابات تواجه، بحسب وصف كشو، "التقليديون" ممثلين بحركة النهضة من جهة و"المحافظون" الذين يريدون العودة إلى النظام العلماني. وقد "اختار التونسيون العودة إلى مَن يمثّل قيم مرحلة تأسيس تونس بعد الاستقلال وتجنّب ما لا يطمئنّون إليه"، أضاف كشو.

الآن، ينتظر التونسيون الاستحقاق الرابع وهو الانتخابات البلدية التي "ستعطينا فكرة أفضل عن مدى ثقة الناس بجيل الشباب ومدى رغبتهم في إعطائهم المبادرة"، برأي كشو.

من جهة ثانية، أشار كشو إلى أن "الثقافة السياسية غير متجدّدة في بلداننا وهذا يفيد المتقدّمين في السنّ"، لافتاً إلى أنه "حتى الشباب ثقافتهم السياسية ليست حديثة".

مستقبل مشاركة الشباب

عام 2011 اندلعت الثورة التونسية التي غيّرت المشهد العربي برمّته. عن هذه الثورة، قال كشو إنها "خرجت على أوضاع رديئة هي نتاج لتراكم أعمال الجيل التأسيسي لتونس وهو جيل الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي الذي فشل في بناء نظام يحقق حياة سياسية متطورة وكان فشله على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية".

وكان مسار الأحداث يفترض تجاوز هذا الجيل بأفكاره وشخصياته. ولكن خوف الرأي العام من نزق الشباب دفعه إلى عدم الثقة به. فهل الشباب فعلاً متهوّرون؟

برأي كشو، ينزع الشباب الناشطون إلى التطرّف، أكان شكله دينياً أو يسارياً، وهذا "ناتج عن أن "الثقافة السياسية السائدة لا تنسجم مع مقتضيات الديموقراطية والتعددية".

ولكنه يلفت إلى أنهم "حين يتولّون مسؤوليات يتحوّلون إلى تبنّي مواقف واقعية ويبتعدون عن إطلاق الشعارات الإيديولوجية وعن المزايدة ويفهمون ضرورة مدّ جسور حوار الآخرين والتخلي عن المطالب غير الواقعية التي لا تنسجم مع ظروف تونس الاقتصادية".

وأكّد كشو أن الحل ليس بالعودة إلى الجيل القديم والقول إن جيل الشباب مواقفه مغالية وغير واقعية بل الحل في دفعهم إلى الانخراط في العمل السياسي وتحمّل المسؤوليات ليرى الرأي العام ماذا ستكون نتيجة اختيارهم وبعدها يحكم على تجربتهم".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".