نازحة عراقية في مخيم الخازر
نازحة عراقية في مخيم الخازر

متابعة حسن عبّاس:

تقف سلمى أمام القاضي داخل مقرّ محكمة مدنية في مدينة القيارة جنوب الموصل وتقول متوجّهة إلى أحمد الواقف أمامها "زوجتك نفسي على مهر معجّله 25 مثقال ذهب عيار 21 ومؤجّله 50 مثقال ذهب"، ويجيب أحمد "قبلت الزواج".

هي صيغة لزواج عادي ليس فيها أي غرابة. ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يتزوج فيها أحمد وسلمى. فقد عقدا زواجاً أمام قاضٍ لداعش في مدينة الموصل قبل سنة، لكنّه زواج غير معترف به من السلطات العراقية، فما كان منهما إلا أن قصدا المحكمة العراقية لتثبيت زواجهما لدى السلطات الرسمية.

ومنذ 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تشنّ القوات العراقية هجوماً لتحرير مدينة الموصل، شمال العراق، من الإرهابيين، وقد تمكّنت من استعادة مناطق عدة.

ويعيش العراقيون في هذه المناطق هاجس عدم اعتراف الدولة بأوراقهم الثبوتية التي تحمل ختم "الدولة الإسلامية- الخلافة". وفرض التنظيم الإرهابي على السكان في المناطق التي كان يسيطر عليها قوانينه، وأنشأ إدارات خاصة به.

وعلى الرغم من الخفر الذي اعترى صوتها وهي تتكلم والكحل الأسود على عينيها، لا تشبه سلمى بثوبها الطويل وحجابها الأسود، العروس التقليدية. ويطلب الزوجان عدم تصويرهما خوفاً على أقرباء لهما لا يزالون موجودين في مناطق يسيطر عليها الإرهابيون في مدينة الموصل.

ويقول أحمد، وهو اسم مستعار، "تزوّجنا منذ عام ولدي أوراق صادرة عن داعش"، مضيفاً "كنًا في طريقنا إلى بغداد، ومررنا بالمحكمة لنقوم بمعاملة جديدة لأن المعاملة السابقة غير معترف بها".

ويتابع "الحكومة لا تعترف بأي إجراء حصل وقتها".

"خريجو قانون"

ويقول القاضي الذي لم يذكر اسمه "نحن خريجو قانون هنا. هذه محكمة عراقية"، رافضاً "قضاة داعش".

ويوضح "ما نقوم به هو تثبيت عقد زواج بالتاريخ الأساسي الذي تزوّجا فيه".

أمام مقر المحكمة، ينتظر عشرات الأشخاص دورهم. منهم مَن يريد أن يثبت عقد زواجه وآخر يريد تسجيل اسم ابنه في السجلات بعد عامين ونصف أمضوها تحت حكم المتشدّدين.

وينتظر عبد العزيز إبراهيم، 25 عاماً، من القيارة، في الصف الطويل من أجل إنهاء إجراءات زواجه وتسجيل طفله في آن.

ويقول إبراهيم "أتيت إلى هنا لأسجّل عقد زواجي"، مضيفاً "زوجني إمام الجامع بعد ثلاثة أشهر على سقوط الموصل قبل أن يُنشئ داعش محاكم"، والآن "أقوم بتسجيل عقد زواجي وطفلي حمزة الذي ولد تحت حكم داعش".

وتدخل إلى القاضي عائلة أخرى مؤلفة من رجل وزوجته مع طفلهما الذي وُلد في ظل حكم الإرهابيين في القيارة، ويريدان تسجيله رسمياً. ويوقع شاهدان على الوثيقة أمام القاضي لكي تتم عملية تسجيل الطفل أحمد في السجلات العراقية.

وتقول والدة الطفل حمدة محمود الثلاثينية "وُلد أحمد في شهر آب/أغسطس عام 2014، كان عمره شهرين حين دخل داعش".

وتضيف، وهي تحمل طفلها وقد ألبسته معطفاً سميكاً وطاقية صوفية، "لم نسجّله وقتها لأننا نعرف أن محاكم داعش غير معترف بها، وحين عادت المحكمة إلى هنا أتينا لتسجيله". ثم تتابع "داعش أذانا كثيراً".

وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الثلاثاء، 6 كانون الأول/ديسمبر، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أنه سيتم "تسجيل الأطفال المولودين أثناء سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في المناطق المحررة بشكل طبيعي".

وقال المحامي طارق الجبوري أمام باب المحكمة المؤلفة من مبنى صغير قديم "خلال فترة العامين والنصف الماضية، توقف العمل بالمحاكم إن بالنسبة إلى إجراءات عقود زواج أو الوفيات والولادات. اليوم وبعد التحرير، بدأ الناس يتحرّكون، مَن لديه عقد زواج يأتي اليوم لتثبيته، وآخر يسجّل طفله".

وأوضح أن الزحمة "ناتجة عن كون المحكمة جديدة، وقد أُعيد فتحها قبل حوالى 20 يوماً". وكانت المحكمة قد أغلقت أبوابها في القيارة مع سيطرة داعش عليها.

ويسعى بعض المنتظرين إلى الحصول على شهادات وفيات لأقربائهم.

وروى سرحان مطر، 56 عاماً، لوكالة الصحافة الفرنسية "ابني كان شرطياً، قتله الدواعش فور دخولهم، وأنا هنا منذ الصباح لأستخرج له شهادة وفاة".

لكن المراجعات لا تقتصر على الأوراق الثبوتية والمعاملات الرسمية. فبعض العراقيين يريدون استرجاع حقوقهم بعدما وضع التنظيم المتطرف حياتهم في الثلاجة لأكثر من سنتين، وظلمهم وتعرّض لهم بممارسات وحشية ومذلة.

وأضاف سرحان "سأطلب تعويضاً لزوجة ابني وأطفاله، كما سأتقدم بشكوى على الدواعش".

وكان أحمد عبدو ياسين جالساً على الأرض مرتدياً عباءة رمادية اللون ومعتمراً كوفية حمراء وبيضاء، في انتظار دوره.

وقال الرجل السبعيني "تقدّمت بطلب تعويض بعدما تضرّر منزلي".

وأضاف "كانوا (الدواعش) يقصفون بالهاون في منطقة قريبة من البيت وتم استهدافهم من التحالف بغارة جوية وتضرر بيتنا"، موضحاً "تقدّمت بطلب أمام المحكمة للحصول على تعويضات مادية من التحالف".

(بتصرّف عن وكالة الصحافة الفرنسية)

الصورة: نازحة عراقية في مخيم الخازر/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".