طلاب أمام بوابة جامعة صنعاء
طلاب أمام بوابة جامعة صنعاء

صنعاء- خاص بـ"ارفع صوتك" 

لم يستوعب الطالب اليمني أحمد (22 عاما)، ما كان يحدث حوله عندما داهم ثلاثة مسلحين يرتدون بزات عسكرية، نهاية العام الماضي، كافتيريا مجاورة لإحدى كليات جامعة صنعاء، في حملة لمنع الاختلاط بين الطلاب والطالبات، لأنه "يخالف أمر الله ورسوله" وفق المسلّحين.

وأجبر المسلحون الذين ينتمون لجماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014، الطلبة في الكافتيريا، على مغادرة المكان.

"كنت أتناول أنا وزميلتي وجبة الإفطار فتعرضت للشتم والسب، واقتادوني إلى غرفة تابعة لهم في حرم الجامعة وحققوا معي ولم يطلقوا سراحي إلا بعد الإمضاء على تعهد بعدم الجلوس مع الطالبات"، يقول أحمد لـ"ارفع صوتك".

ويضيف أحمد "يمنعوننا حتى من الحديث مع زميلاتنا والسير معهن داخل الحرم الجامعي. إنهم يفرضون أفكارهم الهمجيّة داخل جامعة صنعاء".

حملات واسعة

وفرضت جماعة الحوثي قيوداً بشأن الصداقات بين الطلاب والطالبات في الجامعات الحكومية والخاصة الواقعة ضمن المحافظات الخاضعة لسيطرتها بدءا بصنعاء من قبيل عدم السماح بالسير معاً في باحة أو فناء الجامعة، كما منعت استخدام عاملات نساء جنباً إلى جنب مع الذكور في كافتيريات الجامعة.

وهناك قائمة من المحظورات في مقابل تعليمات محددة للطالبات والطلاب، كما تنشط حملات تفتيش وكاميرات مراقبة في معظم أنحاء الحرم الجامعي.

وشنت الجماعة الدينية الموالية لطهران، خلال الأشهر الأخيرة، حملات واسعة في جامعات عدة، لمنع الاختلاط بين الطلاب والطالبات بذريعة أنها "مخلة بالآداب ومنافيه لتعاليم الدين الإسلامي".

مواقع محلية قالت إن مثل هذه "المظاهر" يعتبرها الحوثيّون سبباً في "تأخر النصر الإلهي"، في إشارة إلى الحرب الدائرة منذ خمس سنوات بين الجماعة والتحالف الدولي بقيادة السعودية.

وتسعى الحوثي إلى تغيير اللوائح الجامعية المنظمة لشؤون الطلاب وإصدار لوائح جديدة تجرّم اختلاط الطلبة داخل القاعات الدراسية، وفقا لمصادر أكاديمية في جامعة صنعاء.

وسبق أن منع مسلحون حوثيون جلوس الطالبات في ساحات الجامعة وتم عزلهن في أماكن بعيدة عن أنظار الطلاب، فضلا عن منع الطلبة من القيام بعمل مجموعات مختلطة  للبحوث الخاصة بالمقررات الدراسية.

عبدالله الراعي، وهو رجل دين يمني بارز ينتمي لجماعة الحوثيين، يقول إن اختلاط الطلبة الجامعيين "بوابة للولوج إلى المعاصي".

من جهته، يقول الطالب في كلية الإعلام بجامعة صنعاء عبدالله، إن مدرس مادة "الصراع العربي الإسرائيلي" كلفهم بإجراء مقابلات تلفزيونية داخل الحرم الجامعي وطلب منهم عند تصوير الفتيات وعدم إظهار وجوههن بالكامل "لصون المرأة، ومراعاة لعفتها وأخلاقيات الدين الإسلامي" على حد قوله.

"زميلي تعرض للاعتداء بالضرب من قبل مسلحين تابعين لحراسة الجامعة عندما كان يصور لقاء مع إحدى الطالبات ضمن التكليف الدراسي. هذه مسخرة فعلا"، يقول عبدالله لـ"ارفع صوتك".

وسبق للحوثيين أن داهموا مطاعم ومقاه فاخرة في صنعاء، واعتدوا على مرتاديها بالضرب بأعقاب البنادق وأجبروهم على مغادرتها بذريعة "حرمة الاختلاط".

وفرضت الجماعة على نساء صنعاء، 400 ألف ريال (678 دولار أمريكي) غرامة مالية على كل من تذهب للجلوس في "سمسرة وردة"، وهو مقهى شهير في صنعاء القديمة، بعد منعهن من الدخول إليها منذ أكثر من عام بحجة عدم الاختلاط، حسب  تقارير إعلامية محلية.

إفساد الشباب

وتصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة في اليمن على نحو لافت خلال السنوات الأخيرة، تغذيها حالة الفراغ السياسي والأمني وانهيار مؤسسات الدولة منذ اندلاع الجولة الأخيرة من الحرب الدامية في البلاد منتصف 2014.

وسبق أن هاجم زعيم جماعة الحوثيين الشيعية عبد الملك الحوثي معاهد تدرس اللغات الأجنبية في اليمن، على خلفية "إفساد الشباب والاختلاط الفوضوي".

رجل الدين والبرلماني اليمني البارز المحسوب على حزب تجمع الإصلاح، الذراع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، عبدالله علي، حرض في عديد المرات ضد ناشطين وناشطات بحجة اجتماعاتهم في جلسات شاي داخل كافتيريات عامة بمدينة تعز، جنوب غرب البلاد.

وفي مدينة عدن الساحلية الجنوبية، وزّع مسلحون ينسبون أنفسهم لتنظيم (داعش) مراراً منشورات تهدد بالضرب "بيد من حديد كل من يخالف أمر الله ورسوله بمنع الاختلاط، أو عدم ارتداء النقاب في جامعة عدن".

"عشرات السنين إلى الوراء"

تقول سالي الشرجبي، وهي باحثة يمنية في الشؤون الإنسانية والاجتماعية "فاجأتنا سلطات الانقلاب (الحوثيون) بهذا القرار الغريب، فلا يوجد نص شرعي يحرم الاختلاط. لو أن الاختلاط حرام لكانت فريضة الحج حراما، ولكانت شعائر العمرة بالبيت الحرام حراما أيضا".

تضيف لـ"ارفع صوتك": "من يعتقد أن الاختلاط حجة فهو في فخ الموروثات المجتمعية القديمة. كل الدلائل تساوي بين الرجال والنساء فجميع أوامر النهي وأوامر الطاعات في القرآن الكريم جاءت لكل من الرجال والنساء على حدٍ سواء، وأكد الرسول محمد (ص) أن النساء شقائق الرجال".

وترى الشرجبي أن "قرار الانقلابيين اليوم يعيدنا عشرات السنوات للوراء، فبهذه القيود يُنشأ جيل يقلل من المكانة التي ناضلت المرأة اليمنية منذ سبعينيات القرن الماضي للظفر بها".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".