حقوق وحريات

في اليمن: الحوثي يحاول ركوب موجة "حياة السود مهمة"

16 يوليو 2020

دعا عبد الملك الحوثي، زعيم المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، الشهر الماضي إلى إدماج "المهمشين" في المجتمع.

ودعا إلى إطلاق برنامج وطني طويل الأمد لدمج هذه الفئة في المجتمع اليمني.

وأثارت هذه الدعوة الأمل بين عدد منهم مثل اليمني حسن هيثم الذي يقول "بدأت نظرة أمل بعد مبادرة الحوثي. ونتأمل خيرا بتغيير تعامل الناس معنا".

لكن رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين نعمان الحذيفي يرى أن دعوة الحوثي "مبطنة" بهدف تجنيدهم للقتال في صفوف المتمردين.

ويؤكد الحذيفي لوكالة الصحافة الفرنسية أن المبادرة تهدف إلى "إثارة مشاعر المهمشين واقتيادهم إلى الجبهات للقتال معهم".

أسفل الهرم

ويدور نزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ 2015 تحالف عسكري تقوده السعودية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة منذ بدء هجومهم في 2014. وقتل خلال سنوات النزاع وأصيب عشرات آلاف الأشخاص معظمهم من المدنيين.

وتقول الباحثة في "هيومن رايتس ووتش" أفراح ناصر للفرنسية إنه حتى قبل اندلاع الحرب "وضع النظام الطبقي اليمني المهمشين في أسفل الهرم الاجتماعي"، مشيرة الى أن وضعهم ازداد سوءا بعد النزاع خصوصا في المناطق التابعة لسيطرة الحوثيين.

ووفقا لناصر، تشبه حياة المهمشين "الجحيم على الأرض"، مشيرة إلى تعرضهم لتمييز ممنهج وحرمانهم من حقوق أساسية وتمييز حتى في الحصول على مساعدات إنسانية.

"خادم" أو "عبد"

ورغم موجة الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في أنحاء العالم، التي أثارتها وفاة جورج فلويد، الأميركي ألأسود خلال توقيفه بأيدي الشرطة في ولاية مينيابوليس، لكن في صنعاء، لا يعوّل "المهمّشون" من سود البشرة على تغيير ظروفهم السيئة المستمرة منذ مئات السنوات.

يقول اليمني هيثم حسن إنه لا يزال يسمع الآخرين ينعتونه بكلمات مثل "خادم" أو "عبد" بسبب لون بشرته الداكن.

في منطقة دار سلم (جنوب العاصمة اليمنية صنعاء)، يعيش "المهمشون"، وهو الاسم الذي يعرفون به، في حي عشوائي يسمى "محوى" بظروف صعبة للغاية وفي فقر مدقع.

وفي شوارع المحوى الضيقة، بيوت مصنوعة من ألواح كرتونية وخيم وأخرى مبنية بالحجارة، ويمكن رؤية نساء يطبخن في الشارع.

يقول حسن لوكالة الصحافة الفرنسية، "كأننا شريحة منفصلة من اليمنيين مع أننا نحمل البطاقة الشخصية اليمنية".

ويضيف "تلتقي بأشخاص يقومون بالتأفف ويهربون منك ويقولون هذا خادم ومثل هذه الألفاظ. وفي المدارس يعاملون أطفالنا بشكل مختلف عن الأولاد الآخرين (..) وكذلك في الأسواق، نلفت أنظارهم وأول شيء يقولونه، انظروا هذا لونه أسود، هذا خادم".

ويعمل "المهمشون" في وظائف مثل كنس الشوارع وجمع القمامة وغيرها.

ويعيشون في مناطق مختلفة في اليمن من صنعاء وصولا إلى عدن في الجنوب، وخصوصا في منطقة تهامة التي تمتد من مضيق باب المندب حتى مدينة الحديدة في غرب البلاد.

تركيبة اليمن المعقدة

وبالتزامن مع حركة "حياة السود مهمة" المناهضة للعنصرية في العالم، لا يعول الحذيفي كثيرا على تغير الوضع في اليمن.

ويوضح "هناك عنصرية سائدة على أساس العرق وعلى أساس اللون. كل أسود في اليمن ينظر إليه كأنه خادم".

ويشير الحذيفي إلى أنه عندما بدأت احتجاجات شعبية في 2011 طالبت برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، شارك "المهمشون" في التظاهرات على أمل تغيّر الوضع. وشارك الحذيفي في مؤتمر الحوار الوطني اليمني كممثل وحيد عن "المهمشين".

ويتابع "كنا نتمنى أن نكون جزءا من الحراك العالمي (ضد العنصرية)، لو كان الوضع مستقرا في اليمن لكننا جزءا من الحراك العالمي وكنا سنخرج إلى الشوارع ونشارك في هذه اللحظة التاريخية، لكن الحرب حالت دون ذلك".

ويقول "للأسف، سيبقى الوضع على ما هو عليه في اليمن، لأن التركيبة الاجتماعية والقبلية معقدة جدا، هناك تمييز على أساس القبيلة والمنطقة والمذهب".

وفي اليمن الذي يغلب على مجتمعه الطابع القبلي، أدّى وجود المهمشين خارج تصنيف القبائل إلى جعلهم أكثر عرضة للتمييز القائم على النسب.

ويقول شيخ "المهمشين" في منطقة "دار سلم" بصنعاء مجاهد عزام، "نحن نعاني من التفرقة العنصرية. لا ندري هل حكموا علينا لأن بشرتنا سوداء؟ لم يعطونا أي حقوق. لكن الآن جاء الوقت لنحصل على حقوقنا".

وبحسب المجموعة الدولية لحقوق الأقليات ومقرها لندن، "يوجد جدل حول الأصول العرقية. يعتقد البعض أنهم يتحدرون من عبيد أفارقة أو جنود إثيوبين من القرن السادس، بينما يعتقد آخرون أنهم من أصول يمنية".

وتقول المنظمة إنهم يعانون "من نسب عالية من البطالة ويعيشون في العادة في الفقر، ولا يملكون الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه أو الصرف الصحي أو التعليم أو حتى الفرص الاقتصادية".

ويُقدّر بأنهم يشكّلون بين 2 إلى 5 بالمئة من السكان البالغ عددهم نحو 27 مليونا، بينما تشير تقديرات أخرى الى أنهم يشكلون 10 في المئة من السكان.
 

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".