حقوق وحريات

من يعرف مصير عبد المسيح؟

28 أغسطس 2020

بقلم: احمد محسن

صباح يوم 19 أيار/ مايو، قرأت سوزان روميو، وهي شابة عراقية مقيمة في كندا، خبراً أعاد إليها الأمل بالحياة الذي فقدته قبل ذلك بشهرين.

حيث تناقلت وسائل الإعلام العراقية خبر قرار إطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين منذ انطلاق مظاهرات أكتوبر 2019، ونادت سوزان "يا الله!" في صدرها سرّاً وبأعلى صوتها مجاهرةً، فشقيقها "عبدالمسيح" معتقل منذ الأول من مارس في بغداد ولا تعرف عنه شيء.

وبعد ساعات من الاتصالات مع أهلها في بغداد وأصدقاء عبدالمسيح والمتابعين لقضية المتظاهرين المعتقلين، عاد الغم والحزن يملأ سوزان، فلم يكن شقيقها من بين المفرج عنهم.

مضى قرابة ستة أشهر على قيام قوات مكافحة الشغب باعتقال عبد المسيح روميو سركيس (35 عاما)، في ساحة الخلاني وسط بغداد.

وهذا كل ما وصل أهله من الأخبار عنه دون معرفة أي تفاصيل أخرى.

وفي الثالث من مارس سعت عائلة عبدالمسيح لتقديم شكوى في مركز شرطة الدورة (جنوب بغداد)، ولكن إدارة المركز أبلغتهم بأن "يعودوا لاحقًا مع مستند من قاضي محكمة التحقيق المركزية"، ولم تتمكن العائلة من مقابلة القاضي المعني لأنه "لم يأت إلى المحكمة بسبب الإجراءات الوقائية المتعلقة بفيروس كورونا"، بحسب ما قيل لهم.

شارك عبد المسيح روميو بشكل منتظم وشبه يومي في المظاهرات المناهضة للحكومة التي بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٩.

وقد أصابته قنينة غاز مسيل للدموع في ظهره أطلقتها قوات الأمن خلال مظاهرة جرت في ساحة الخلاني، ولم يتلق العلاج الطبي المناسب بعد الحادثة، وفقا لسوزان.

وتقول سوزان شقيقة عبدالمسيح، "خرج أخي عبد المسيح إلى المظاهرات في أول يوم من شهر آذار، وكان هناك تحشيد لمظاهرة مليونية في هذا التاريخ، وتم اعتقاله من قبل قوات الشغب مع مجموعة أخرى تتكون من ٣٠ شخص بالقرب من منطقة ساحة الخلاني بحسب ما روى شهود عيان، واقتادوه إلى مطار المثنى".

ومنذ شهرين وسوزان لم تعرف الاستقرار والنوم، وناشدت جهات عراقية ومسؤولين عبر موقع تويتر ولكن دون أن تلقى أي ردّ منهم.

كما تواصلت مع السفير الكندي في العراق بصفتها مواطنة مقيمة في كندا، ولكنها لم تتوصل إلى معلومات عن مصير شقيقها.

عبد المسيح هو المعيل الوحيد لعائلته، ولديه أخ أكبر منه من ذوي الاحتياجات الخاصة (مقعد) ووالديه كبيرين في السن كانا معتمدين عليه في كافة الاعمال المنزلية.

إضافة إلى اعتمادهما على دخله الخاص الذي يحصل عليه من عمله في البناء مقابل أجور زهيدة.

ويشهد العديد من أهالي منطقة الدورة التي يسكنها عبد المسيح بسمعته الطيبة وحسن سيرته وسلوكه فضلا عن أخلاقه ومساعدته لجيرانه.  وتضيف سوزان في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "عبد المسيح شاب شجاع وغيور، يحبه جميع أهل المنطقة لأنه يقدم الخدمات والمساعدة للجيران دائما، حتى أنه كان يغسل سيارة جاره المسن ويقول هذا العم كبير السن وصحته لا تعينه".

"يحب عبد المسيح كرة القدم، وهو شاب حالم وبسيط، خرج لساحات التظاهر كغيره من الشباب مطالب بمعيشة جيدة إلا أنه لاقى مصيرا مجهولا ولوعة أهله عليه"، بحسب شقيقته.
وتختصر قصة عبد المسيح معاناة جيله بالكامل، ولد في الحرب العراقية الإيرانية، ودخل المدرسة مع حرب الخليج، ونشأ في الحصار الاقتصادي والحرمان، ليبدأ شبابه مع سقوط نظام صدام وصراع الأجندات والفشل السياسي والإرهاب والفساد.

ويقول مصدر مطلع على ظروف الاعتقال (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية)، بأن الجهة المسؤولة عن اعتقال عبد المسيح "لم تكن قوات مكافحة الشغب تحديداً، بل هي أحد القوى التابعة لأمن الحشد الشعبي، خاصة بعد البحث والتمحيص عن اسمه بكافة الأجهزة الأمنية الحكومية على المستويين العام والخاص"، ويقصد بذلك جهاز الأمن الوطني الخاص بأمن منطقة الدورة والجهاز العام والمخابرات المركزية كذلك، حيث لم يفلح المصدر في إيجاد اسم عبدالمسيح في سجلات تلك الأجهزة.
ويضيف المصدر بأنّه استطاع إيجاد اسم عبدالمسيح "عبر بعض العلاقات الخاصة في أحد قوائم الاعتقال الخاصة بالحشد الشعبي في مطار المثنى".

وذكر المصدر أنه "ليس عبد المسيح وحده في داخل المركز، فهو محجوز مع مجموعة أخرى من المعتقلين".
وقضية المعتقلين هذه تطرح تساؤلا عن جدوى قرار "الإفراج" إذا كانت لا تشمل من لم تعتقلهم أجهزة الشرطة؟ هل يعني أنّ الأجهزة الأمنية التابعة للحشد الشعبي فوق المساءلة والقانون؟

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".