من يعرف مصير عبد المسيح؟
بقلم: احمد محسن
صباح يوم 19 أيار/ مايو، قرأت سوزان روميو، وهي شابة عراقية مقيمة في كندا، خبراً أعاد إليها الأمل بالحياة الذي فقدته قبل ذلك بشهرين.
حيث تناقلت وسائل الإعلام العراقية خبر قرار إطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين منذ انطلاق مظاهرات أكتوبر 2019، ونادت سوزان "يا الله!" في صدرها سرّاً وبأعلى صوتها مجاهرةً، فشقيقها "عبدالمسيح" معتقل منذ الأول من مارس في بغداد ولا تعرف عنه شيء.
وبعد ساعات من الاتصالات مع أهلها في بغداد وأصدقاء عبدالمسيح والمتابعين لقضية المتظاهرين المعتقلين، عاد الغم والحزن يملأ سوزان، فلم يكن شقيقها من بين المفرج عنهم.
مضى قرابة ستة أشهر على قيام قوات مكافحة الشغب باعتقال عبد المسيح روميو سركيس (35 عاما)، في ساحة الخلاني وسط بغداد.
وهذا كل ما وصل أهله من الأخبار عنه دون معرفة أي تفاصيل أخرى.
وفي الثالث من مارس سعت عائلة عبدالمسيح لتقديم شكوى في مركز شرطة الدورة (جنوب بغداد)، ولكن إدارة المركز أبلغتهم بأن "يعودوا لاحقًا مع مستند من قاضي محكمة التحقيق المركزية"، ولم تتمكن العائلة من مقابلة القاضي المعني لأنه "لم يأت إلى المحكمة بسبب الإجراءات الوقائية المتعلقة بفيروس كورونا"، بحسب ما قيل لهم.
شارك عبد المسيح روميو بشكل منتظم وشبه يومي في المظاهرات المناهضة للحكومة التي بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٩.
وقد أصابته قنينة غاز مسيل للدموع في ظهره أطلقتها قوات الأمن خلال مظاهرة جرت في ساحة الخلاني، ولم يتلق العلاج الطبي المناسب بعد الحادثة، وفقا لسوزان.
وتقول سوزان شقيقة عبدالمسيح، "خرج أخي عبد المسيح إلى المظاهرات في أول يوم من شهر آذار، وكان هناك تحشيد لمظاهرة مليونية في هذا التاريخ، وتم اعتقاله من قبل قوات الشغب مع مجموعة أخرى تتكون من ٣٠ شخص بالقرب من منطقة ساحة الخلاني بحسب ما روى شهود عيان، واقتادوه إلى مطار المثنى".
ومنذ شهرين وسوزان لم تعرف الاستقرار والنوم، وناشدت جهات عراقية ومسؤولين عبر موقع تويتر ولكن دون أن تلقى أي ردّ منهم.
كما تواصلت مع السفير الكندي في العراق بصفتها مواطنة مقيمة في كندا، ولكنها لم تتوصل إلى معلومات عن مصير شقيقها.
عبد المسيح هو المعيل الوحيد لعائلته، ولديه أخ أكبر منه من ذوي الاحتياجات الخاصة (مقعد) ووالديه كبيرين في السن كانا معتمدين عليه في كافة الاعمال المنزلية.
إضافة إلى اعتمادهما على دخله الخاص الذي يحصل عليه من عمله في البناء مقابل أجور زهيدة.
ويشهد العديد من أهالي منطقة الدورة التي يسكنها عبد المسيح بسمعته الطيبة وحسن سيرته وسلوكه فضلا عن أخلاقه ومساعدته لجيرانه. وتضيف سوزان في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "عبد المسيح شاب شجاع وغيور، يحبه جميع أهل المنطقة لأنه يقدم الخدمات والمساعدة للجيران دائما، حتى أنه كان يغسل سيارة جاره المسن ويقول هذا العم كبير السن وصحته لا تعينه".
"يحب عبد المسيح كرة القدم، وهو شاب حالم وبسيط، خرج لساحات التظاهر كغيره من الشباب مطالب بمعيشة جيدة إلا أنه لاقى مصيرا مجهولا ولوعة أهله عليه"، بحسب شقيقته.
وتختصر قصة عبد المسيح معاناة جيله بالكامل، ولد في الحرب العراقية الإيرانية، ودخل المدرسة مع حرب الخليج، ونشأ في الحصار الاقتصادي والحرمان، ليبدأ شبابه مع سقوط نظام صدام وصراع الأجندات والفشل السياسي والإرهاب والفساد.
ويقول مصدر مطلع على ظروف الاعتقال (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية)، بأن الجهة المسؤولة عن اعتقال عبد المسيح "لم تكن قوات مكافحة الشغب تحديداً، بل هي أحد القوى التابعة لأمن الحشد الشعبي، خاصة بعد البحث والتمحيص عن اسمه بكافة الأجهزة الأمنية الحكومية على المستويين العام والخاص"، ويقصد بذلك جهاز الأمن الوطني الخاص بأمن منطقة الدورة والجهاز العام والمخابرات المركزية كذلك، حيث لم يفلح المصدر في إيجاد اسم عبدالمسيح في سجلات تلك الأجهزة.
ويضيف المصدر بأنّه استطاع إيجاد اسم عبدالمسيح "عبر بعض العلاقات الخاصة في أحد قوائم الاعتقال الخاصة بالحشد الشعبي في مطار المثنى".
وذكر المصدر أنه "ليس عبد المسيح وحده في داخل المركز، فهو محجوز مع مجموعة أخرى من المعتقلين".
وقضية المعتقلين هذه تطرح تساؤلا عن جدوى قرار "الإفراج" إذا كانت لا تشمل من لم تعتقلهم أجهزة الشرطة؟ هل يعني أنّ الأجهزة الأمنية التابعة للحشد الشعبي فوق المساءلة والقانون؟