حسن عبد الأمير جاسم في يسار الصورة، قبل إصابته، وفي الجانب الأيمن أحد عناصر القوات الأمنية في البصرة 2019
حسن عبد الأمير جاسم في يسار الصورة، قبل إصابته، وفي الجانب الأيمن أحد عناصر القوات الأمنية في البصرة 2019

في مثل هذا اليوم، السنة الماضية 2019، أصيب الشاب العراقي حسن عبدالأمير جاسم بـ"مقذوف ناريّ" في ظهره، خلال احتجاجات "أم قصر" في البصرة جنوب البلاد، لتتغير حياته بالكامل.

ومنذ سنة، يستلقي حسن (23 عاماً) على ظهره في السرير، لا يستطيع الحركة، حيث تسببت الإصابة بشلل الأطراف السفلى فيما الجزء الأعلى منه "شبه ميت" حسبما وصف أخوه عقيل (40 عاماً) وما يتحرّك منه يداه فقط.

وحسب التقرير الطبي في الصورة الآتية، يحتاج حسن إلى عمليّة "زراعة خلايا جذعية خارج العراق".

تقرير طبي للدكتور عديّ المالكي يشرح حالة حسن

 

تقرير بالإنجليزية عن حالة حسن

سنة كاملة، كبرت فيها ابنة حسن الوحيدة (عمرها عام واحد)، تتحرك وتبدأ الخطو ونطق كلمات بسيطة، فيما هو عاجز عن اللعب معها ومتابعة نموّها، والحكومة لم تقدّم شيئاً يُذكر!

من حساب ناشط عراقي مهتم بتوثيق الإصابات في الاحتجاجات

Screenshot من إنستاغرام

 

فيديو من قمع التظاهرات في "أم قصر" 5 نوفمبر 2019

 

العلاج ممكن

أخوه الأكبر عقيل، أرسل صوراً لـ"ارفع صوتك" تُظهر الحال التي وصل إليها حسن، حيث غزا جسده ما يُعرف بـ"قرح الفراش" أو "قرح الضغط" وهو الاسم العلمي لها.

نظرت إلى الصور مرتين فقط ومحوت بعضها، لأنها كانت تظهر لي كلما فتحت هاتفي الذي كلمت فيه عقيل، حيث سببت لي قشعريرة قويّة جعلتني أشعر أنها في جسدي أيضاً، وأشعر برقبتي تشنجت!

أخذت مسافة من مكتبي، جلست بعيداً أفكّر بهذا الأسى، ثم عدت لإتمام العمل على مضض.

شعور مخيف أليس كذلك؟ وقد وصلني على بعد عشرة آلاف و400 كيلو متر، فما بالك بحسن نفسه الذي يعيش مع هذه الحالة منذ نحو 300 يوم! 

عقيل تولّى العناية بأخيه، أليس هذا ما يفعله الأخ الأكبر عادةً؟ له أيضاً عائلة وأبناء ليرعاهم، لكنه لم يترك حسن وحيداً، وطرق جميع الأبواب الممكنة من أجل علاجه، يقول عبر الهاتف "نحن لا نريد مساعدة ماليّة، بل رعاية له للسفر والعلاج فقط".

ويعيش عقيل وأخواه الآخران على أمل "إمكانية العلاج"، وقد وصل في رحلة البحث والتواصل مع مستشفيات في الخارج (عبر صديق للعائلة) إلى مستشفى زيوريخ الجامعي، الذي أخبرهم بأن التكلفة أكثر من 80 ألف فرنك سويسري (88 ألف دولار).

كما جاء الرد من مستشفى IBS الهندي في مدينة دلهي، حسب عقيل، كالتالي:

"حسب التقارير والصور يحتاج المريض إلى جراحة التحفيز فوق الجافية تليها إعادة التأهيل.
 البقاء في المستشفى - 10 أيام
 البقاء في الفندق ضيفاً - 30 يوما
 المجموع  40 يوماً، والكلفه المقدرة (41- 42) ألف دولار أميركي، ونسبة نجاح العمليّة (70-80)%، ولكن سيتم اتخاذ القرار النهائي بعد التقييم البدني للمريض"

من بين الصور، يمكن مشاركة هذه، حيث يحمل حسن ابنته الصغيرة بكلتا يديه، المتحرّك الوحيد في جسده.

حسن عبدالأمير مع ابنته

 

غرفة صغيرة، جدرانها غير مطليّة بالكامل، إذ يظهر الطوب الرمادي في بعض أجزائها، وأجزاء أخرى مغطّاة بالبلاط الأملس، بابها حديدي مغطّى بالصدأ، مفتوح من الأعلى بلا نافذة، بل ستارة حمراء أصغر من مساحة الفتحة تتدلّى فوقها كمحاولة لتغطيتها، وأرضيّة مفروشة بأكثر من سجادة رقيقة، بينما عُلّق على الحائط "برواز" واحد فقط، فيه صورة للإمام الحسين بن علي، واقفاً بملابس الفروسيّة.

وعلى أرضية الغرفة، يتمّ تقليب جسد حسن وتنظيف القروح، وتغطيتها بالشاش الطبيّ، بواسطة أخويه، يرتدي أحدهما كمامة في الصور المرسلة لـ"ارفع صوتك".

يقول عقيل "لقد مررنا بأوقات عصيبة، وأغلب وقتي قبل أزمة كورونا وما بعد تخفيف إجراءات الحظر، قضيته بين المستشفيات ومكاتب وزارة الصحة ومكتب محافظة البصرة، لكنّي لم أتلقّى سوى الوعود".

ويعمل عقيل عاملاً في ميناء البصرة براتب شهري يقدّر بـ700 دولار أميركي، يعيل بها زوجته وخمسة أطفال، وعائلة حسن، بالإضافة لتكاليف علاجه.

يقول لـ"ارفع صوتك": "آخذه أربع مرات للمستشفى الحكومي كل شهر، لا أملك سيارة، بل أذهب بتاكسي، أحمله بيديّ...".

ويتابع عقيل "أما أدويته فليست مجانية، حيث أشتريها من الصيدليات الأهليّة، وأنا المتكفّل بحسن لأنني الأقرب عليه في السكن، كما أن أبي وأمي يعانيان من مرض الزهايمر".

واشترى الكرسيّ المتحرّك لحسن من حسابه الخاص، بمبلغ مليون وربع المليون دينار عراقي (حوالي 1000 دولار). 

"أنا أفعل كل شيء من أجل أن يتشافى أخي، أفكر كثيراً أن أبيع بيتي لأجله إن فشلت في الوصول إلى حل" يقول عقيل.

وفي المرة الأخيرة قبل نحو شهر ونصف، ذهب عقيل إلى وزارة الصحة في بغداد، بكل الأوراق والوثائق التي يملكها، ليبيت ليلتها هناك، متأملاً الحصول على إجابة مرضية، لكن شيئاً لم يحصل.

يقول في آخر اتصال معه، الثلاثاء الماضي، إنه على موعد معهم يوم السبت المقبل، لذا سيسافر إلى بغداد الجمعة، ليبيت الليلة هناك ويتمكن من الذهاب باكراً.

يضيف "قبل أيام خرج الدود من التقرّحات في جسده"...

ويتابع عقيل "أخبرتهم عن المرة الماضية وأنهم لم يفعلوا لي شيئاً، لكن الموظف قال: إن شالله خير، هذه المرة قد تكون مختلفة".

أيام قليلة قبل الموعد، يعيشها عقيل وعائلته "على أمل"، فهل يتم إنقاذ حسن؟

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".