حقوق وحريات

القضاء العراقي يكشف قصة استدراج فتيات لسرقة الأعضاء عبر إنستغرام

07 نوفمبر 2020

لم تكن (ز) تعلم أنها ستتخلص من ضغوط والدتها يوماً، عندما تعرفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على فتاة تعيش بتركيا وتدعى (ع). 

القصة حسب سجلات القضاء العراقي التي اختارت الإشارة بالحروف بدلا من الأسماء، عندما بدأت (ع) عبر الرسائل النصّية بتبادل الحديث مع (ز) وتعرفت على مشكلتها مع والدتها ومن ثم نصحتها بضرورة الانتقال لتركيا بعيداً عنها.

بعدها بيومين تلقت (ز) اتصال عبر (الانستغرام) من شخص يدعى (ع. ح) يخبرها بأنه سيتكفل بمهمة إخراجها إلى تركيا مقابل مبلغ مالي.

كان العرض الموعود في أن هناك من سيتكفل بمهمة تنظيم هوية وجواز سفر مزورين كذلك تأشيرات أصولية لسفرها إلى تركيا مقابل مبلغ مالي، يتجاوز أي شيء، يمكن أن تحلم به الفتاة (ز) التي وافقت على ارسال مصوغات ذهبية له عن طريق أحد السائقين على طريق النجف – بصرة. 

بداية، لم تبد تلك الخطوة صعبة. لكن مطالبة (ز) بالمزيد من المصوغات الذهبية، وتهديدها عند المعارضة بنشر صورها الشخصية بعد اختراق حسابها (الانستغرام)، دفع بها لإخبار شقيقاتها الأخريات (س) و(ص). 

قبلت شقيقاتها بالفكرة كلها، ووجدنها الخيار المناسب للتخلص من ضغوط والدتهن، وفي الوقت ذاته أبلغن استعدادهن لتوفير ما يُطلب منهن من المصوغات الذهبية مقابل السفر.

فتيات قاصرات

الشقيقات القاصرات الثلاثة تمكنّمن الهرب بعدما أخذن ملابسهن ومبلغاً مالياً قدره (75) ألف دينار وهاتف والدتهن النقال، ثم ركبن سيارة أجرة باتجاه المدينة القديمة في النجف، بحسب الاتفاق، وهناك استأجرن سيارة برفقة (ع.ح) إلى مرآب النجف الشمالي، ومن ثم إلى بغداد حتىّ وصلن إلى شقة سكنية في منطقة (حي اور) تعود إلى المتهم (ن. ع) وزوجته (ب – ن) بعدما أُخذت منهن المصوغات الذهبية بحجة تغطية النفقات كلها، إلاّ أن زوجة المتهم أخبرتهن بأن (ع) قد كذب بوعده وسوف يقوم ببيع أعضائهن البشرية.

كانت هناك فرصة لأن يحدث كل هذا من دون أن يكتشفه أحد (مجرد فتيات قاصرات هربن من عائلتهن) لولا سؤال صديقتهن عنهن وإخبارها باختفائهن من المنزل، لتُعلم الأب بوجود شخص يقيم في تركيا عرض عليهن مساعدتهن في السفر عن طريق فتاة من بغداد ستتكفل بكل التفاصيل.

من المثير للصدمة، أن الفتاة(ع) التي تعرفت عليها (ز) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فتاة، بل هو ذات المتهم (ع. ح)، حسب ملفات القضاء.

وتمكنت مديرية الأمن الوطني في النجف بعد إبلاغ الأب، بتحديد مكانهن من خلال هاتف والدتهن النقال الذي كان بحوزتهن. 

وقضت محكمة جنايات النجف على المدانين (ن.ع) و (ع. ح) بالسجن المؤبد استنادا لأحكام المادة 6، أولاً وثانياً وسابعاً من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، مع تغريم كل واحد منهما مبلغ خمسة وعشرين مليون دينار (٢١ ألف دولار تقريبا)، وفي حالة عدم الدفع يحبس حبساً شديداً لمدة سنتين تنفذ بالتعاقب مع عقوبة السجن الأصلية، كما تم الحكم على المدانة (ب – ن) لمدة ثلاث سنوات استنادا لأحكام المادة 247 من قانون العقوبات العراقي.

 

شبكات الاتجار بالبشر

لم تكن هذه الحالة الأولى التي كشفت عنها مديرية الأمن في البلاد.

فخلال عام 2019 تم رصد 27 شبكة اتجار بالبشر، وستة انتهاكات تتعلق بالاتجار أيضاً في العراق.

وقال المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، الذي تأسس في 31 أكتوبر عام 2018، إن "معظم هذه الشبكات تمارس تجارة الأعضاء البشرية واستدراج النساء للعمل ضمن شبكات الدعارة، حيث تتعرّض الإناث ويتعرض الذكور على السواء لأنواع العنف الجنسي أثناء تجربة الاتجار بهم".

ووثق المرصد وجود 77 شبكة أخرى تتخذ من محافظة السليمانية مقراً لها، وتستدرج الضحايا بوساطة سماسرة ينتشرون في البلاد، ويديرون حسابات وصفحات وهمية على موقع (فيسبوك).

كما تعمل 9 شبكات أخرى مرتبطة ببعضها على استدراج المراهقين والمشرّدين، لكي تنتزع منهم الأعضاء البشرية المطلوبة، وتبيعها بمبالغ طائلة.

وتم رصد خمس شبكات تمتهن الاتجار بالنساء، لاسيما الفتيات القاصرات في بغداد، وإرغامهن على ممارسة البغاء، بعد استخدام أنماط حديثة عبر الإنترنت للإيقاع بالفتيات من خلال الاتصال بهن، وتقديم وعود وهمية لهن بالزواج، بهدف توريطهن في سلوكيات جنسية، فضلاً عن توثيق خمس شبكات أخرى تدير مجموعات من الأطفال والنساء للتسول في الأزقة والشوارع.

 

الفقر والعنف الأسري

تعتقد الناشطة الحقوقية نادية عبد، أن شبكات الاتجار بالبشر في البلاد أكثر بكثير مما تم الكشف عنها حتىّ الآن.

وتقول لـ "ارفع صوتك" إن "الذي ساهم بتزايد هذه الشبكات هو الإنترنيت، والانفتاح الذي حصل بسببه منذ عام 2003، وكذلك ضعف تطبيق القانون والفساد المالي والإداري".

وتبدأ القصة في مواقع الإنترنت في البحث عن النساء والفتيات للتعرف عليهن، ثم إيهامهن بحياة أجمل وتوريطهن بفعل ما يرفضه المجتمع ويحاسب عليه، ليبدأ الابتزاز والتهديد لإرغامهن على فعل كل شيء أقله استغلالهن جنسياً.

لكن مشكلة الاتجار بالبشر لا تتعلق بذلك فقط؛ تضيف عبد "للفقر والعوز المادي وكذللك العنف الأسري الدور الكبير في تشبث النساء والفتيات بأية طريقة تنقذهن من هذا الوضع".

 

قوانين "معطلة"

التزم العراق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، وصادق عليها بالقانون رقم 20 لعام 2007.

ورغم أن قانون الاتجار بالبشر العراقي الذي شرع في عام 2012 ينسجم مع القوانين الدولية، لكن المحامية ثائرة حازم لا تعده فاعلاً بالشكل المناسب لوقف هذه الجرائم.

وتقول لـ "ارفع صوتك": "مشكلتنا ليست في تشريع القوانين بل في تنفيذها، لأن غالبيتها تبدو معطلة أو غير مطبقّة بسبب أن شبكات الاتجار البشر متنفذة للحّد الذي لن تتمكن الأجهزة الأمنية بالوقوف ضدها كثيرا".

وتضيف "ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة تجاه مسببات ظاهرة الاتجار بالبشر ومعالجتها لن يحد أي قانون من تفاقمها".

وكانت اللجنة المركزية لمكافحة الاتجار بالبشر بوزارة الداخلية، أعلنت في أكتوبر الماضي، عن رفع العراق إلى المستوى الثاني ضمن التصنيف الدولي للأمم المتحدة، وانتقاله إلى مصاف الدول التي تفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان مثل قطر والكويت وسلطنة عمان وألمانيا وإيطاليا والدنمارك وغيرها، في ضوء التقرير العالمي حول واقع مكافحة الاتجار بالبشر.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".