القضاء العراقي يكشف قصة استدراج فتيات لسرقة الأعضاء عبر إنستغرام
لم تكن (ز) تعلم أنها ستتخلص من ضغوط والدتها يوماً، عندما تعرفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على فتاة تعيش بتركيا وتدعى (ع).
القصة حسب سجلات القضاء العراقي التي اختارت الإشارة بالحروف بدلا من الأسماء، عندما بدأت (ع) عبر الرسائل النصّية بتبادل الحديث مع (ز) وتعرفت على مشكلتها مع والدتها ومن ثم نصحتها بضرورة الانتقال لتركيا بعيداً عنها.
بعدها بيومين تلقت (ز) اتصال عبر (الانستغرام) من شخص يدعى (ع. ح) يخبرها بأنه سيتكفل بمهمة إخراجها إلى تركيا مقابل مبلغ مالي.
كان العرض الموعود في أن هناك من سيتكفل بمهمة تنظيم هوية وجواز سفر مزورين كذلك تأشيرات أصولية لسفرها إلى تركيا مقابل مبلغ مالي، يتجاوز أي شيء، يمكن أن تحلم به الفتاة (ز) التي وافقت على ارسال مصوغات ذهبية له عن طريق أحد السائقين على طريق النجف – بصرة.
بداية، لم تبد تلك الخطوة صعبة. لكن مطالبة (ز) بالمزيد من المصوغات الذهبية، وتهديدها عند المعارضة بنشر صورها الشخصية بعد اختراق حسابها (الانستغرام)، دفع بها لإخبار شقيقاتها الأخريات (س) و(ص).
قبلت شقيقاتها بالفكرة كلها، ووجدنها الخيار المناسب للتخلص من ضغوط والدتهن، وفي الوقت ذاته أبلغن استعدادهن لتوفير ما يُطلب منهن من المصوغات الذهبية مقابل السفر.
فتيات قاصرات
الشقيقات القاصرات الثلاثة تمكنّمن الهرب بعدما أخذن ملابسهن ومبلغاً مالياً قدره (75) ألف دينار وهاتف والدتهن النقال، ثم ركبن سيارة أجرة باتجاه المدينة القديمة في النجف، بحسب الاتفاق، وهناك استأجرن سيارة برفقة (ع.ح) إلى مرآب النجف الشمالي، ومن ثم إلى بغداد حتىّ وصلن إلى شقة سكنية في منطقة (حي اور) تعود إلى المتهم (ن. ع) وزوجته (ب – ن) بعدما أُخذت منهن المصوغات الذهبية بحجة تغطية النفقات كلها، إلاّ أن زوجة المتهم أخبرتهن بأن (ع) قد كذب بوعده وسوف يقوم ببيع أعضائهن البشرية.
كانت هناك فرصة لأن يحدث كل هذا من دون أن يكتشفه أحد (مجرد فتيات قاصرات هربن من عائلتهن) لولا سؤال صديقتهن عنهن وإخبارها باختفائهن من المنزل، لتُعلم الأب بوجود شخص يقيم في تركيا عرض عليهن مساعدتهن في السفر عن طريق فتاة من بغداد ستتكفل بكل التفاصيل.
من المثير للصدمة، أن الفتاة(ع) التي تعرفت عليها (ز) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فتاة، بل هو ذات المتهم (ع. ح)، حسب ملفات القضاء.
وتمكنت مديرية الأمن الوطني في النجف بعد إبلاغ الأب، بتحديد مكانهن من خلال هاتف والدتهن النقال الذي كان بحوزتهن.
وقضت محكمة جنايات النجف على المدانين (ن.ع) و (ع. ح) بالسجن المؤبد استنادا لأحكام المادة 6، أولاً وثانياً وسابعاً من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، مع تغريم كل واحد منهما مبلغ خمسة وعشرين مليون دينار (٢١ ألف دولار تقريبا)، وفي حالة عدم الدفع يحبس حبساً شديداً لمدة سنتين تنفذ بالتعاقب مع عقوبة السجن الأصلية، كما تم الحكم على المدانة (ب – ن) لمدة ثلاث سنوات استنادا لأحكام المادة 247 من قانون العقوبات العراقي.
شبكات الاتجار بالبشر
لم تكن هذه الحالة الأولى التي كشفت عنها مديرية الأمن في البلاد.
فخلال عام 2019 تم رصد 27 شبكة اتجار بالبشر، وستة انتهاكات تتعلق بالاتجار أيضاً في العراق.
وقال المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، الذي تأسس في 31 أكتوبر عام 2018، إن "معظم هذه الشبكات تمارس تجارة الأعضاء البشرية واستدراج النساء للعمل ضمن شبكات الدعارة، حيث تتعرّض الإناث ويتعرض الذكور على السواء لأنواع العنف الجنسي أثناء تجربة الاتجار بهم".
ووثق المرصد وجود 77 شبكة أخرى تتخذ من محافظة السليمانية مقراً لها، وتستدرج الضحايا بوساطة سماسرة ينتشرون في البلاد، ويديرون حسابات وصفحات وهمية على موقع (فيسبوك).
كما تعمل 9 شبكات أخرى مرتبطة ببعضها على استدراج المراهقين والمشرّدين، لكي تنتزع منهم الأعضاء البشرية المطلوبة، وتبيعها بمبالغ طائلة.
وتم رصد خمس شبكات تمتهن الاتجار بالنساء، لاسيما الفتيات القاصرات في بغداد، وإرغامهن على ممارسة البغاء، بعد استخدام أنماط حديثة عبر الإنترنت للإيقاع بالفتيات من خلال الاتصال بهن، وتقديم وعود وهمية لهن بالزواج، بهدف توريطهن في سلوكيات جنسية، فضلاً عن توثيق خمس شبكات أخرى تدير مجموعات من الأطفال والنساء للتسول في الأزقة والشوارع.
الفقر والعنف الأسري
تعتقد الناشطة الحقوقية نادية عبد، أن شبكات الاتجار بالبشر في البلاد أكثر بكثير مما تم الكشف عنها حتىّ الآن.
وتقول لـ "ارفع صوتك" إن "الذي ساهم بتزايد هذه الشبكات هو الإنترنيت، والانفتاح الذي حصل بسببه منذ عام 2003، وكذلك ضعف تطبيق القانون والفساد المالي والإداري".
وتبدأ القصة في مواقع الإنترنت في البحث عن النساء والفتيات للتعرف عليهن، ثم إيهامهن بحياة أجمل وتوريطهن بفعل ما يرفضه المجتمع ويحاسب عليه، ليبدأ الابتزاز والتهديد لإرغامهن على فعل كل شيء أقله استغلالهن جنسياً.
لكن مشكلة الاتجار بالبشر لا تتعلق بذلك فقط؛ تضيف عبد "للفقر والعوز المادي وكذللك العنف الأسري الدور الكبير في تشبث النساء والفتيات بأية طريقة تنقذهن من هذا الوضع".
قوانين "معطلة"
التزم العراق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، وصادق عليها بالقانون رقم 20 لعام 2007.
ورغم أن قانون الاتجار بالبشر العراقي الذي شرع في عام 2012 ينسجم مع القوانين الدولية، لكن المحامية ثائرة حازم لا تعده فاعلاً بالشكل المناسب لوقف هذه الجرائم.
وتقول لـ "ارفع صوتك": "مشكلتنا ليست في تشريع القوانين بل في تنفيذها، لأن غالبيتها تبدو معطلة أو غير مطبقّة بسبب أن شبكات الاتجار البشر متنفذة للحّد الذي لن تتمكن الأجهزة الأمنية بالوقوف ضدها كثيرا".
وتضيف "ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة تجاه مسببات ظاهرة الاتجار بالبشر ومعالجتها لن يحد أي قانون من تفاقمها".
وكانت اللجنة المركزية لمكافحة الاتجار بالبشر بوزارة الداخلية، أعلنت في أكتوبر الماضي، عن رفع العراق إلى المستوى الثاني ضمن التصنيف الدولي للأمم المتحدة، وانتقاله إلى مصاف الدول التي تفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان مثل قطر والكويت وسلطنة عمان وألمانيا وإيطاليا والدنمارك وغيرها، في ضوء التقرير العالمي حول واقع مكافحة الاتجار بالبشر.