حقوق وحريات

"على خلاف الطبيعة".. لبنان يرفض التعهد بحماية حقوق المثليين

22 نوفمبر 2020

لا يزال الجدل يطوف على السطح بين فينة وأخرى بشأن حقوق المثليين في لبنان مع دأب الاستمرار في الجهود الحقوقية للحصول على المساواة في كافة مناحي الحياة.

وفي الأيام الماضية، تصاعد النقاش والجدل في ذات المسألة بعد رفض وزير الخارجية اللبناني شربل وهبي التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر العالمي الثاني لحرية الإعلام الذي استضافته كندا وبوتسوانا.

وبحسب تقارير إعلامية فإن لبنان كان الدولة الوحيدة التي شاركت في المؤتمر وامتنعت عن توقيع البيان الختامي الذي يطالب بتوفير المزيد من الحماية للصحافيين ليتمكنوا من القيام بعملهم بحرية وأمان.

وأشارت تلك التقارير إلى أن وزير الخارجية اللبناني قد رفض التوقيع على البيان الختامي بسبب وجود فقرة تتحدث عن حماية حرية التعبير للمثليين جنسيا والأقليات الجندرية.

وتعرض شربل لانتقادات على تويتر، وواجهه صحافي لبناني بالواقعة، مما دفعه إلى أن يقول أنه يؤيد إعطاء جميع الفئات حقوقها. لكن موقفه في المؤتمر أتى احتراما للقوانين السارية المفعول في لبنان، وذلك في إشارة إلى المادة 534 من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة ممارسة الجنس "خلافاً للطبيعة"، والتي تستخدم لملاحقة ومعاقبة المثليين. واضطر شربل بعدها إلى غلق حسابه على تويتر. 

ورغم أن لبنان قد شهد ظهور أول جمعية تدافع عن حقوق المثليين في العالم العربي تحت مسمى "حلم" غير أن تلك الفئة المجتمع لا تزال تعاني الكثير من الصعوبات الاجتماعية والقانونية والاجتماعية والثقافية.

تعارض مع "الاجتهاد الجزائي"

وفي حين أن موقف شربل يستند إلى القانون اللبناني، إلا أن لناشط والمحامي اللبناني، كرم نمور، أوضح  أن موقف وهبي يتعارض مع توجّه متزايد للاجتهاد الجزائي اللبناني منذ 2009، والآيل إلى استبعاد تطبيق المادة 534 المذكورة على العلاقات المثلية على إعتبار أنها ليست "مخالفة للطبيعة".

وأوضح  في مقال له نشر في موقع "المفكرة القانونية" أن موقف وهبي يتعارض مع الموقف الدولي للبنان، الذي كان فاخرا في 2015 بدور القضاء في استبعاد تطبيق المادة 534 على العلاقات الجنسية المثلية، إثباتاً لاحترام الدولة لحقوق الأشخاص بسبب ميلهم الجنسي.

وأضاف: "وهذا هو تحديدا ما نستشفه من كلمة الدولة اللبنانية (الممثلة) بالقاضية نازك الخطيب في إطار الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الانسان بتاريخ 3 نوفمبر من العام 2015".

وكانت منظمات حقوقية منها هيومان رايتس ووتش، أشادت بالقضاء اللبناني بعد أن أصدرت محكمة الاستئناف في 2018 حكما بأن أن العلاقة الجنسية بالتراضي بين أشخاص من نفس الجنس ليست مخالفة للقانون.

وكان الحكم يتعلق باعتقال 9 أشخاص في 2015 اشتبهت الشرطة أنهم مثليون أو من متحولي النوع الاجتماعي، ورفضت المحكمة إدانتهم باستخدام مادة "على خلاف الطبيعة"، حيث ذكر القاضي أن "لمثليي الجنس الحق في إقامة علاقات إنسانية أو حميمة مع من يريدونه من الناس، دون أي تمييز لجهة ميولهم الجنسية وأي تفاضل أو تدخل من أحد، أسوة بغيرهم من الناس".

وختم نمور حديثه قائلا: "وعليه،  كان موقف الدولة اللبنانية غير مُبرّر وغير صائب قانوناً، متعارض مع التزامات لبنان الدولية ومتناقض مع مواقف الدولة السابقة ومع توجّه الاجتهاد اللبناني الحديث بهذا الشأن. وهو أمر ينعكس سلبا على حريّة الإعلام في لبنان بنتيجة عدم التوقيع على بيان المؤتمر العالمي الثاني لحرية الإعلام الختامي. كما أنه ينعكس سلبا على صورة لبنان حيث يظهره مظهر نظام مُعادٍ للحقوق والحريات ومنها حريّة الإعلام".                                                          

مخالفة صريحة للدستور والمعاهدات الدولية

وفي معرض تعليقها على عدم توقيع وزير الخارجية اللبناني على بيان تحالف دعم الحريات الإعلامية، قالت المحامية والناشطة الحقوقية، ليال صقر، لموقع "الحرة" أن وهبي أخطأ باللجوء إلى مادة من العقوبات للتهرب من التوقيع.

وأوضحت، المديرة التنفيذية لمنظمة "نواة للمبادرات القانونية" أن عدم توقيع الوزير اللبناني على ذلك البيان يخالف نص الدستور اللبناني الذي يؤكد أن جميع المواطنين متساوين أمام القانون بغض النظر عن الجنس والدين والعرق والميول الجنسية.

ونوهت كذلك إلى الوزير تذرع بقانون خاص فيما الأولوية هي الاعتماد على الدستور والمعاهدات الدولية التي وقع عليها لبنان، وبالتالي فإن فعله وهبي يعد مخالفا لالتزامات لبنان الدولية ناهيك عن الدستور.

ورأت صقر أن التذرع بعدم التوقيع على بيان غير ملزم بالأساس، قد يكون مرده إلى فتح الباب أمام مزيد من الحكومة لممارسة القمع بحق حرية التعبير لكافة فئات المجتمع بما فيهم النساء ومجتمع ميم "المثليين" وغيرها من الأوساط الاجتماعية والثقافية التي تسعى إلى ترسيخ قيم الحرية والمساواة في البلاد.

واعتبرت صقر أن عدم وضع "توقيع معنوي" يعبر عن غباء سياسي واجتماعي، ولا يمكن تفسيره سوى أن أدوات القمع مستمرة في غيها بحق الإعلاميين في البلاد، والدليل على ذلك كثرة الاستدعاءات التي باتت تطولهم في الآونة الأخيرة، معربة عن استغرابها كون أن لبنان كان من الموقعين على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، مضيفة: "نحن الآن في العام 2020 ويريدون منا أن أكثر من 72 سنة إلى الوراء".  

جهل بالقوانين

وفي نفس سياق، أوضح مدير المؤسسة العربية للحريات والمساواة، جورج قزي، أن فعله وزير الخارجية اللبناني ينم عن جهل واضح بالقوانين اللبنانية، إذ أن المادة القانونية اتي تذرع بها لا تجرم المثلية، والتي بالأصل يميل القضاء في البلاد إلى  عدم استعمالها ضد "مجتمع ميم"، لأن المثلي غير مجرم بسبب ميوله الجنسية، وبالتالي المثلية لا تحرم الشخص من حقوقه.

وأضاف قزي، الذي يعد أحد مؤسسي جمعية حلم للدفاع عن حقوق المثليين، بالقول: "البيان الذي امتنع لبنان عن التوقيع عليه يتحدث عن حق الشخص بالتعبير عن رأيه وليس عن العلاقات الجنسية، وبالتالي يبدو أن وهبي لم يفهم فحوى البيان ولا حتى لماذا هو مشارك أساسا في ذلك المؤتمر الحقوقي".

ولفت قزي في حديثه إلى موقع "الحرة" أن المجتمع اللبناني شهد في الفترة الأخيرة "تطبيعا للممارسات القمعية"، وبات من المقبول أن  نحرم شخصا من حقه في التعبير عن رأيه، و"هذا أمر خطير للغاية".  

وفيما إذا كان مستشبرا خيرا بتحسن أوضاع "مجتمع ميم"، أجاب قزي: "التفاؤل كلمة كبيرة على لبنان بالإجمال، لكن الأمل موجود وتحسنت بعض الأمور في آخر 10 أعوام". 

الحرة / خاص - دبي

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".