حقوق وحريات

بعد عشر سنوات على الربيع العربي: من أحلام جامحة إلى زنازين السجون

07 ديسمبر 2020

قبل عشر سنوات، كانت أحلام التغيير والحرية تكاد تصل إلى السماء في ميدان التحرير بالقاهرة وغيره من الميادين العربية، ولكنها اليوم وهنت ولم تعد تتجاوز أحيانا الأمل في استنشاق الهواء الطلق خارج زنازين السجون.

في القاهرة كما في دمشق، العاصمتين العربيتين الكبيرتين، أخفق الثوّار في إسقاط حكم الفرد، وقمعت السلطات الأصوات المعارضة بعنف.

وانتهى الأمر بعشرات الآلاف ممن شقّ حناجرهم هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى السجون.

خلف قضبان السجون المصرية بات هناك اليوم قرابة 60 ألف "سجين سياسي"، وفق منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان.

وفي عهد عبد الفتاح السيسي، أصبحت مصر ذات المئة مليون نسمة "سجنا بسماء مفتوحة"، وفق منظمة العفو الدولية.

عودة إلى السجون

وفي حين أدت الانتفاضة على حسني مبارك في 2011 إلى إطلاق سراح الآلاف من السجناء خصوصا الإسلاميين، عادت السجون وامتلأت بعد أقل من ثلاث سنوات بعشرات الآلاف من الإسلاميين، خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين، في أعقاب إطاحة الجيش بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي في الثالث من تموز/ يوليو 2013.

وفي سوريا، صمد نظام بشار الأسد وتحولت الثورة إلى حرب أهلية.

وبعد عشر سنوات، ما زال هناك معتقلون يموتون في السجون حيث يمارس التعذيب.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر في العام 2017، "استخدمت الحكومة (السورية) التعذيب والإخفاء القسري كوسيلة لقمع المعارضة لعقود، لكن منذ العام 2011، أصبحت انتهاكات الحكومة السورية ضد السجناء أشد وأكثر قسوة بكثير".

وأشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ديتا أنالايسس غروب" للدفاع عن حقوق الإنسان أن 17723 شخصا قتلوا داخل السجون في سوريا بين آذار/ مارس 2011 وكانون الأول/ ديسمبر 2015.

ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يملك شبكة واسعة من المصادر داخل سوريا، أن "مئة ألف شخص على الأقل قتلوا داخل السجون منذ بدء النزاع" في 2011.

وتنفي القاهرة ودمشق بشكل قاطع الاتهامات وتتهم منظمات غير حكومية "منحازة" بنشرها.

وفي زمن مكافحة التنظيمات الجهادية، تقول السلطات في البلدين إن كلّ ما تفعله هو بغرض المساهمة في مكافحة "الإرهاب".

في هذه الأثناء، أمضت عائلات سنوات بحثا عن أبنائها في سوريا حيث تحطمت آمال مئات منهم في العام 2018 عندما أبلغتهم السلطات بموت ذويهم قبل وقت طويل.

وتقول مواطنة سورية طلبت عدم الكشف عن هويتها لوكالة الصحافة الفرنسية، إنها علمت في ذلك العام بموت ابن عمها الذي كان اعتقل في 2011 ولم يعرف عنه شيء من بعدها، مضيفة "حتى في الحزن نخاف ويجب أن نخفي حزننا".

في مصر، امتد القمع بعد وصول السيسي الى الرئاسة عام 2014، ليشمل المعارضين من كل الأطياف، ليبراليين ويساريين إضافة إلى أكاديميين وحقوقيين.

ومع اتساع نطاق الاعتقالات، "أصبح الحبس الاحتياطي بديلا للتوقيف الإداري"، بحسب منظمة العفو الدولية التي أشارت في تقرير أخير إلى أنه خلال السنوات الست الأخيرة، بات الحبس الاحتياطي "يتجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه في القانون المصري"، وهو عامان.

رجل سوري تظهر آثار التعذيب على ظهره بعد إطلاق سراحه من قوات النظام
 

حلم الخروج وحلم الهجرة

وتقول المنظمات الحقوقية إن السلطات المصرية تلجأ إلى توجيه اتهامات جديدة إلى من ترغب في إبقائهم في السجون بعد أن يمضوا عامين في الحبس الاحتياطي لكي يتم حبسهم مجددا على ذمة قضايا جديدة وهو ما يسميه النشطاء بـ "تدوير" الحبس الاحتياطي.

ولا يكاد بعض السجناء المصريين يخرجون حتى يعودوا إلى الزنازين من جديد.

ومن بين هؤلاء الناشط علاء عبد الفتاح (39 عاما) وشقيقته الصغرى سناء سيف (26 عاما).

وتتحدّث والدتهما ليلى سويف عن المعاناة التي تعيشها بسبب غياب ابنها وابنتها، وتتمنى أن يخرجا من الحبس وأن يتمكنا مع شقيقتهما الثالثة منى، من السفر خارج مصر ليعيشوا "حياة يرتاحون فيها".

وتؤكد سويف، أستاذة الرياضيات في كلية العلوم بجامعة القاهرة (64 عاما)، للفرنسية أنها "تشجع كلّ من لا يستطيع أن يعيش هنا أن يسافر".

الناشط المصري علاء عبد الفتاح بجانب والدته ليلى سويف وشقيقته منى

لكن حتى هذا الحلم بات صعب التحقيق، إذ لا تعرف ليلى سويف متى يمكن أن يخرج علاء وسناء من السجن، طالما لا يخضع توقيفهما لأي مسار قضائي أو قانوني واضح.

ووضع علاء عبد الفتاح أخيرا، مثل مئات غيره من الناشطين، على اللائحة المصرية للأفراد الداعمين للإرهاب، ما يجعل خروجه من مصر محظورا حتى لو تم إطلاق سراحه.

لكن رغم محنتها الشخصية، تقول ليلى سويف إنها لم تندم على مشاركتها في الثورة وانخراط أولادها فيها.

وتضيف "لولا الثورة لما سجن علاء وسناء... فعلاء كان يعمل في جنوب إفريقيا وسناء لم يكن لها أي اهتمام بالسياسة". ولكن، إذا كانت "الثورة في اللحظة الحالية مهزومة، فهذا لا يعني أنها ستظل مهزومة"، معتبرة أن الثورة أيقظت "وعي الناس بحقوقهم".

وتقول الأم إنها لن تطلب أبدا من أولادها الابتعاد عن السياسة، فالأهم بالنسبة لها "ألا يحتقروا أنفسهم".

وتشاركها إكرام يوسف، والدة الناشط زياد العليمي، رأيها.

وكان العليمي (40 عاما) عضوا في "ائتلاف شباب الثورة"، التحالف الذي تشكل في ميدان التحرير بين مجموعات شبابية شاركت في إطلاق شرارة الثورة في 25 كانون الثاني/ يناير 2011.
كما كان نائبا في أول برلمان بعد إسقاط مبارك.

 الصحفية المصرية إكرام يوسف والدة النائب السابق في البرلمان المصري زياد العليمي

وتقول يوسف "لم يرتكب خطأ لكي أطلب منه أن يكفّ عمّا كان يفعله، كان يريد أن يعيش حياة عادية كإنسان يحترم نفسه" وقناعاته.

وتوضح الصحافية المصرية (64 عاما) أنه ألقي القبض على ابنها في 25 حزيران/ يونيو 2019 لدى نزوله من منزل أحد أصدقائه الساعة الثانية فجرا، مشيرة إلى أن السبب مشاركته في اجتماعات لتشكيل تحالف من خمسة أحزاب غير موالية للسلطة كان يطلق عليه اسم "تحالف الأمل"، بهدف خوض انتخابات مجلس النواب.

وتقول يوسف "عمر ابني يضيع بلا مبرر"، ولكنها تعتقد أن "هذا هو الثمن الكبير الذي ندفعه من أجل أن تنتصر الثورة في النهاية".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".